الجمعة، 18 فبراير 2011

سمع على ودنيك

كتبهاRachid NINI ، في 6 فبراير 2010 الساعة: 19:20 م

لدي في بريدي رسالتان مهمتان لوزيرين في الحكومة: الأولى لغلاب الذي يريد تطبيق مدونة السير في أكتوبر، دون أن يأخذ بعين الاعتبار تداعيات هذه المدونة على مستعملي الطريق، والثانية لوزير الهجرة عامر الذي يريد التكفل بمصاريف تذاكر سفر المغربيات اللواتي يشتغلن في الدعارة بالخليج نحو المغرب، وينسى أن هناك جثثا لمهاجرين مغاربة تعيش عائلاتها الجحيم من أجل إعادتها إلى أرض الوطن، أولى بالتكفل بها.
لو أنني مكثت أكتب يوميا حول مدونة السير الجديدة لما نجحت في إيصال المعنى مثلما استطاع ذلك قارئ بعث إلي برسالة من إيطاليا يتحدث فيها عن معاناته مع آفة الرشوة على الطرقات المغربية.
حتى لا أطيل عليكم أترك سعادة الوزير يقرأ ما جاء في رسالة «شيفور» سابق «عفا عليه الله»، فهي تلخص معاناة «الشوافرية» مع «صحاب الوقت»:
«أنا مغربي مقيم بإيطاليا، بعد أن نلت شهادة الباكلوريا سنة 97 وعشت البطالة لسنتين، وبعد تردد طويل، قرر أخي «الشيفور» أن يأخذني إلى هذا العالم العجيب، عالم «الشيفورات». بعد سنتين كـ«كريسون» مع أخي طبعا، حصلت على رخصة سياقة «الرموك» ودخلت في الحرفة. هذا العالم يبدأ من مرحلة الحصول على «البيرمي»، فهناك سائقون أميون لا أحد يعرف كيف حفظوا «الكود»، وآخرون لا يعرفون سياقة دابة فما بالك بشاحنة حمولتها القانونية 24 طنا، وهي الحمولة التي لا تحترم طبعا لأنها «ممسلكاش الباطرون» لتصل إلى 42 طنا. لا يهم، لأن «مصروف الطريق» يحل الأمر. و«مصروف الطريق» لمن لا يعلم هو الرشوة للدرك والشرطة وحتى مفتشية النقل. هل تعلم أخي أن لكل حقه، أو بمعنى آخر«كلها وتمانو». فالشرطي قد يقبل منك حتى خمسة دراهم، و«الجدارمي» من عشرة إلى مائتين إذا كانت المخالفة تستحق «الفوريان». أما مفتشو النقل فلن يقبلوا منك أقل من خمسين درهما.
وكمثال وصورة لهذا الواقع، كنت أنقل الرمال من القنيطرة، (وموضوع الرمال هذا مليء بالمغربات)، إلى مدينة خريبكة. فبعد تعبئة الشاحنة «خصك توجد الصرف للطريق، «للمخزن زعما». بعد الخروج من المقلع، تجد على يمينك الشرطة وعلى يسارك الدرك، فإذا أردت المرور عبر القنطرة الموجودة على وادي سبو في مدخل المدينة والممنوعة على الشاحنات، عليك تأدية مائة درهم كرشوة للشرطة، وإلا فستضطر إلى تغيير الاتجاه عبر «سيدى علال التازي» وتكتفي بعشرين درهما للدرك الموجود على يسارك وعشرين أخرى إذا صادفوك في مركز «علال التازي». زد على ذلك، ثمن «الكازوال» لأن المسار سيكون أطول من الأول.
عندما تصل إلى محطة الأداء للقنيطرة، تؤدي ثمن الطريق السيار بالإضافة إلى عشرين درهما لدرك «باراج الموطار ديال سلا، والله لادزتي بقل من 50 درهم». والبوليسي الواقف في مدخل سلا الجديدة، على «الكريسون» أن يرمي له 10 دراهم «شقفة»، وكذلك «بوليسي مرجان» إذا أوفقك، و20 درهما لدرك تمارة، و30 درهما لمحطة أداء بوزنيقة وكذلك المحمدية، وإذا كان «زهرك مكفس» ووجدت «لاجودان» تصبح 50 درهما، و30 لمطار محمد الخامس، و20 لدرك برشيد وخريبكة. «على سلامتنا».
فعلا، إنها ميزانية ضخمة، وكسائق سابق بالمغرب وحالي بإيطاليا، التي استمد منها غلاب مدونته، ربما كنصيحة من زوجته الإيطالية، أتساءل عن جدوى قوانين هذه المدونة مع وجود كل هذه الرشوة.
ومقارنة بالمغرب، أنا أعمل سائقا بإيطاليا وإلى حد الآن لم يوقفني أحد منذ خمس سنوات، ليس لقلة المراقبة وإنما لعدم وجود «الحكرة» الموجودة في المغرب. فالسائق مذلول، وإذا كنت محظوظا بالعمل مع أحد الكولونيلات أو الجنرالات الذين أصبحوا يملكون القسط الأكبر من الشاحنات، فذلك سيحميك من أخذ نصيبك من «البروصيات»، أما عامة السائقين فسب وشتم بل وحتى الضرب.
في بعض الأحيان، يصادفك قائد مقاطعة أو مفتش أمن، يطلب منك رخصة السياقة ثم يضعها في جيبه ويبتعد بسيارته، فما عساك أن تفعل، أليس هذا ما يدفع الشباب إلى ركوب قوارب الموت؟
فاللهم الذل مع النصارى ولا الذل مع خوتك المغاربة والمسلمين يا حسرة».
أما الرسالة الثانية فهي لمهاجر مغربي يروي معاناة كبرى يعاني منها كل المهاجرين المغاربة، وهي مشكلة نقل رفات أمواتهم إلى المغرب. عسى أن يفهم وزير الهجرة، الذي يريد تخصيص نصيب من أموال دافعي الضرائب لدفع مصاريف نقل المغربيات من بارات الخليج إلى المغرب، من خلال هذه الرسالة جزءا مما يعاني منه عمالنا المهاجرون في الخارج:
«كما نعرف جميعا أخي، من أجل تقدم أي شعب أو أمة فهناك أسس وثوابت، أهمها العدل والتعليم والبحث العلمي والأمانة، أمانة الحكام الساسة وممثلي الدولة في جميع الاختصاصات.
وكمهاجر مغربي من بين آلاف المغاربة في دول العالم، أود أن أتكلم عن بعض المشاكل التي نعاني منها ولقوله تعالى «وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت».
ماذا أعدت الحكومات السابقة والحكومة الفاسية للمهاجر عندما تتوفاه المنية في أرض المهجر، وما مدى حرصها على كرامة الميت. فمسطرة نقل الجثمان تأخذ إلى حد الآن، على الأقل، خمسة أيام. فتجربتي الخاصة، لأخ توفي لي وصديق هناك أيضا، أظهرت لي مدى العراقيل التي يواجهها أهل الميت، وخصوصا تصريح المرور من القنصليات المغربية والذي يمكنك الحصول عليه فقط في أوقات الديمومة ويستغرق الحصول عليه وقتا كبيرا ما بين القنصلية والداخلية بالرباط. وإن تصادفت مع نهاية الأسبوع أو يوم عطلة «راك تما بقيتي».
مع أننا هنا في الإدارة المحلية يكفينا نصف يوم للحصول على ما نحتاجه من الوثائق من الدولة الأجنبية حيث نقيم.
فأما عندما نصل بالجثمان إلى بلدنا الحبيب فتلك هي الكارثة العظمى، فعند الوصول إلى مطار محمد الخامس ينزلونك من الطائرة كأي حقيبة وربما يعتنون بالحقيبة أكثر منك. ويأخذونك إلى مخزن البضائع، وإن كان أحد برفقتك فعليه المرور وأخذ الصف كجميع السياح أو القادمين لزيارة. وعندما وصلت وتعديت شرطة الحدود، وصلت عند الديوانة «لاسلام ولا كلام» قال لي «كاين شي فلوس»، ثم قال لي «دور معايا». لم أجبه وأخذت حقيبتي وانصرفت ومررت للمسطرة المغربية لتسلم الجثمان وعيناي مغرورقتان بالدموع.
وإلى حدود الآن، لا أعرف ما هو دور الطبيب هناك، والذي عليك الحصول على إمضائه لجثمان داخل صندوق مهيكل بالفولاذ وملحم بشكل جيد!
«قلنا مشي مشكيل». وبعد مرور ساعتين من الانتظار على باب مكتب سيادة الطبيب، وللعلم فقد صادف وصولنا بجثماننا وجود أربعة متوفين في نفس الوقت والجميع ينتظر توقيع سعادة الدكتور والحرقة والألم والحزن تأكل قلب الجميع. وعند وصول سعادته، بوجهه المبتسم الضاحك المبتهج، تذكرت مستخدمي المستشفى الإيطالي المسيحي، حضرني مدى تأثرهم وحزنهم واحترامهم لمشاعرنا وتهييئهم لقاعة الغسل وبقائهم رهن إشارتنا، وتذكرت تعزية الطبيب الشرعي الإيطالي لي وصبره معنا حتى الانتهاء من طقوس التغسيل وإعداد الجثمان.
وقارنت كل ذلك بما نلاقيه من إخواننا المغاربة عندما نأتي بموتانا لدفنهم في بلادهم. ولعل ما يحز في النفس أن المهاجر يكد ويجد طوال عمره من أجل إرسال المال إلى المغرب، وعندما يموت يطالبونه بدفع رسوم للجمارك على مرور جثمانه. «الديوانة حتى على الموتا». الجمارك المغربية «تنتفك حي وتنتفك ميت، الله على شوهة».
نحن لا نطلب من الحكومة المغربية التكفل بمصاريف النقل كما تفعل الجارة التونسية مع رفات مهاجريها، فالمغاربة ولله الحمد كرماء، فقط نطلب تسهيل المسطرة.
فالمجلس الأعلى للجالية ووزير الجالية «راهم هنا غير للزينة وخسران لفلوس فالحفلات الخاصة والعامة».
المرجو أيها الأخ الكريم إيصال هذا المشكل إلى وزيرنا الكريم، فأنتم السلطة الرابعة».
اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق