الجمعة، 18 فبراير 2011

شربو صحة

كتبهاRachid NINI ، في 1 فبراير 2010 الساعة: 10:52 ص

أحسن شيء يمكن أن يصنعه فيصل العرايشي، المدير العام للقطب الإعلامي العمومي، للمساهمة في النقاش الدائر حول بيع الخمر في المغرب، هو الدخول في مفاوضات مع قناةM6 الفرنسية الخاصة من أجل اقتناء حقوق بث الحلقة الأخيرة من برنامج Enquête Exclusive التي بثتها القناة ليلة الأحد الماضي، والتي تمحورت حول انتشار تعاطي الكحول وسط الطلبة الأمريكيين وطرق مكافحة السلطات لهذه الظاهرة. ففيها أجوبة مفحمة للذين يدافعون عن تقريب الخمور من المواطنين.
في سان فرانسيسكو، إحدى الولايات التي صور فيها البرنامج، اكتشفنا أن الطلبة والشباب، الذين لا يبلغون سن الواحدة والعشرين، من العمر لا يستطيعون قانونيا اقتناء الكحول. ولهذا السبب، ظهر على الوجود نشاط آخر غير قانوني للتحايل على الباعة، وهو تزوير السن في رخص السياقة.
ولأن القانون في أمريكا لا يعاقب فقط الزبائن الذين يشترون الخمور بينما لم يتجاوزوا سن الواحدة والعشرين، بل يعاقب أيضا الباعة الذين يبيعونهم الخمور دون التأكد من سنهم، فإن هؤلاء الباعة أصبحوا يميزون بين بطاقات الهوية الحقيقية والبطاقات المزورة خوفا من قرارات الإغلاق وسحب الرخصة من طرف الشرطة الخاصة بهذا النوع من المخالفات.
أكثر من ذلك، لكي تتأكد شرطة الخمور من احترام الباعة للقانون، أصبحت توظف متطوعات لنصب فخاخ لهؤلاء الباعة، بحيث تلجأ إلى خدمة طالبة متطوعة لكي تلعب دور زبونة تريد اقتناء الخمور دون التوفر على السن القانونية. وبمجرد ما يسقط البائع في الفخ ويبيع الزبونة ما تريده، تضبطه الشرطة وتلتقط له صورة بصحبة الفتاة وهي تحمل «السلعة» لكي ينتهي في مخفر الشرطة.
خيال شرطة الخمور في سان فرانسيسكو لا يقتصر فقط على الإيقاع بالباعة الذين لا يحترمون السن القانونية لبيع الخمور، وإنما يمتد إلى المواطنين العاديين أيضا. ولتحقيق ذلك، تطلب من الزبونة المتطوعة أن تقف أمام باب محل لبيع الخمور وتطلب من أول عابر أن يشتري لها جعة لأن صاحب المتجر لا يريد بيعها إياها بسبب سنها الذي لا يصل إلى 21 سنة. وبمجرد ما يلبي المواطن طلبها، يجد بانتظاره عندما يخرج من المحل رجال الشرطة الذين يضعون القيد في يديه بتهمة تسهيل وصول الخمور إلى أيدي أشخاص ليس من حقهم الحصول عليها.
يحدث هذا في أمريكا، بلد الحريات الفردية والجماعية والدين المسيحي الذي لا يحرم تعاطي الخمور. فقد اكتشفوا أن نسبة كبيرة من حوادث السير، التي يموت فيها الشباب، ناتجة عن تعاطي الكحول. أما في المغرب، البلد المسلم بنص الدستور والذي يموت فيه يوميا عشرة مواطنين بسبب حوادث السير، فالأمر يختلف تماما.
وعوض أن يتابع القضاء مخالفي القانون الذين سمحوا لسوق ممتاز اسمه «لابيل في»، يحقق أكبر نسبة من مداخيله بفضل مبيعات الخمور، بفتح أبوابه في حي شعبي بالمحمدية، رأينا كيف تابع القضاء أولئك الذين دعوا إلى وقفة احتجاجية شعبية لمنع فتح السوق الممتاز لأبوابه في حيهم.
ويبدو أن هؤلاء الذين يسمحون لمثل هذه الأسواق الممتازة المتخصصة في بيع الخمور بفتح أبوابها يجهلون أن القانون المنظم للمتاجرة في المشروبات الكحولية ينص، في فصله الثاني، على أن السلطة المحلية «يجوز لها أن تمنع بيع المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول حسب القارورة في بعض المناطق وأحياء المدينة وكذا في الدوائر التي تحددها بجوار الأماكن الدينية والمقابر والمؤسسات العسكرية والاستشفائية والمدرسية».
أما الفصل 28، فينص صراحة على التالي: «يمنع على مستغل كل مؤسسة تتوفر على رخصة أن يبيع أو يقدم مجانا مشروبات كحولية أو ممزوجة بالكحول إلى المغاربة المسلمين».
في حالة المحمدية، هناك أمران لا ثالث لهما، يا إما أن المسؤولين الذين سمحوا لهذا المتجر ببيع الخمور في حي شعبي اسمه «الراشيدية»، عدد كبير من سكانه نزحوا من أحياء الصفيح، يعتقدون أن سكان هذا الحي غير مسلمين، ويا إما أنهم يعتقدون أن هناك نسبة كبيرة من الأجانب غير المسلمين تقطن في هذا الحي الشعبي.
إن السلطات التي سمحت لهذا المتجر بفتح أروقة الخمور في وجه زبائنه تعرف أن كل سكان حي «الراشيدية» بالمحمدية مسلمون، وأن الخمور التي سيبيعها المتجر موجهة إليهم وإلى أبنائهم بالأساس. وهي بذلك تخالف روح الفصل 28 من «القانون المنظم للمتاجرة في المشروبات الكحولية». وبناء عليه، فالمتابعة القانونية لا يجب أن تكون في حق من دعوا إلى الاحتجاج ضد قرار فتح المتجر في هذا الحي، وإنما يجب أن تكون في حق الذين رخصوا لهذا المتجر ببيع الخمور للمسلمين وفتح أبواب هذا المتجر بالقرب من مسجد الحي، في تناف صريح مع روح الفصل الثاني من القانون المنظم للمتاجرة في الخمور.
وحتى إذا تغاضينا عن ليّ السلطات المحلية لعنق كل هذه الفصول القانونية، فإن إعمال الفصل الأول من هذا القانون كاف لإغلاق جناح الخمور في المحل، خصوصا الفقرة التي يقول فيها: «ويمكن أن يسحب هذا الإذن (الرخصة) في كل مرة ووقت وآن من طرف السلطة التي سلمته إما على إثر إدانة بموجب تدبير تقتضيه المحافظة على النظام أو الأمن العمومي».
لنتوقف عند الجملة الأخيرة من الفصل التي تتحدث عن «الأمن العمومي»، والمقصود بها طبعا هو أمن المواطنين على أرواحهم وممتلكاتهم. هل يعرف الذين رخصوا لهذا المتجر ببيع الخمور في حي «الراشيدية» الشعبي بالمحمدية أن هذا الحي يتحول خلال الليل وخلال نهاية الأسبوع إلى مرتع للسكارى و»وجوه الشرع» الذين يقطعون الطريق على المواطنين وهم في حالة سكر طافح.
إذا كانوا يجهلون هذا الأمر فما عليهم سوى مراجعة محاضر الشرطة لكي يتعرفوا على الجرائم اليومية التي تحدث بسبب الخمر في هذه الأحياء الشعبية.
لذلك، أعتقد أن النقاش الذي يجب أن يفتح اليوم هو ظاهرة تقريب الخمور من المواطنين. فالمصيبة اليوم في المغرب ليست هي ذهاب المواطنين من أجل التسوق إلى المتاجر التي تبيع الخمور، وإنما المشكلة هي ذهاب المتاجر التي تبيع الخمور للتسوق في أحياء المواطنين.
الدرس العميق الذي نخرج به بعد مشاهدة الحلقة الأخيرة من برنامج Enquête Exclusive هو أن القانون فوق الجميع. وإذا كانت هناك قوانين في المغرب تنظم المتاجرة في المشروبات الكحولية فيجب أن تطبقها بالحرف. طبعا، من حق البعض المطالبة بتعديلها أو إلغائها حتى، لكن مادامت هذه القوانين موجودة فيجب تطبيقها، وإلا فإن القانون يفقد روحه وقوته. وعندما تفقد القوانين قوتها فالعدالة برمتها تصبح موضع احتقار واستصغار.
فالقوانين توضع لكي تطبق وتحترم، لا لكي يتم خرقها وتجاوزها. ولذلك، فإن المواطنين من حقهم أن يخافوا على أمنهم وأمن أبنائهم من هذا المد المتعاظم لمتاجر وأسواق الخمور التي تستوطن أحياءهم الشعبية يوما عن يوم. من حقهم أن يتظاهروا للتعبير عن رفضهم لهذا الخرق السافر للقوانين المنظمة للمتاجرة في المشروبات الكحولية من طرف السلطات المحلية المتواطئة مع الشركات الكبرى الباحثة عن الربح ولو كان ذلك على حساب صحة وأمن المواطنين.
وعوض تقديم متزعمي هؤلاء المواطنين أمام العدالة بتهمة توزيع منشورات غير قانونية تدعو إلى تحريم التسوق من المتاجر الممتازة التي تبيع الخمور، فالأولى بهم تقديم المسؤولين الذين رخصوا لهذه الأسواق ببيع خمورها وسط الأحياء الشعبية وبالقرب من مساجدها ومدارسها ومستشفياتها ضدا على القانون.
إنه لأمر محير بالفعل.. الدولة تغمض عينها عن الذين يخرقون القانون وتتابع الذين يطالبون بتطبيقه.
وربما سيأتي علينا يوم نتابع فيه أمام القضاء لمجرد أننا طالبنا بتقنين بيع الخمور للمراهقين والشباب كما شاهدنا شرطة سان فرانسيسكو تصنع في برنامج Enquête Exclusive.
فيبدو أن «لونكيط» في المغرب لا تشمل محلات بيع الخمور التي تقتحم الأحياء الشعبية وتجاور المدارس والمساجد، وإنما تقتصر «لونكيط» فقط على المطالبين بحماية شباب الأمة ورجال غدها من «بلاوي» واحد من أخطر الخبائث التي تقاوم أضرارها كل الأنظمة المسيحية والعلمانية عبر العالم.
«بقا ليهم غير شي نهار يشربوه لينا صحة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق