الجمعة، 18 فبراير 2011

الديمقراطية هي الحل

 17/2/2011
شكلت الانتفاضات الشعبية، التي أطاحت بالدكتاتورين بنعلي وحسني مبارك وزلزلت أركان العديد من الأنظمة العربية في الشرق الأوسط والمغرب العربي، فرصة مناسبة لبعض الأحزاب والحركات السياسية والتنظيمات الحقوقية والشبابية ورجال الأعمال المغاربة والصحافيين للتعليق على انتفاضتي تونس ومصر، والتعبير عن مواقفهم من مطالب التغيير التي حددت يوم 20 فبراير موعدا للحسم في هذه المطالب في الشارع.
كمتتبع لردود الأفعال المتباينة التي صدرت عن هذه الجهات، أود أن أدلي بملاحظات شكلية وأخرى جوهرية حول دوافع ومحركات هذه الجهات، أرجو أن يتسع لها صدرها وصدر من تتوجه إليهم بمطالبها المنادية بالتغيير.
نبدأ اليوم بالسياسيين، على أن نمر غدا إلى رجال الأعمال، لكي ننتهي إلى الصحافيين وبعض الحقوقيين.
بالنسبة إلى الذين يمارسون السياسة، فما حدث في تونس ومصر وما يلوح في دول عربية أخرى من بوادر التغيير، يعتبر فرصة تاريخية لا تعوض لمفاوضة النظام والضغط عليه للاستجابة لمطالبهم السياسية.
في ملعب الإسلاميين، هناك اليوم موقفان: الأول عبر عنه نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لحسن الداودي، عندما قال صراحة إن حزبه لن يشارك في مسيرة 20 فبراير لأن حزبه ليس عربة يسهل جرها، بل هو أثقل من ذلك.
وفي الوقت الذي يعبر فيه نائب الأمين العام للعدالة والتنمية عن مقاطعته لمسيرة 20 فبراير، يعلن مصطفى الرميد، عضو الأمانة العامة للحزب ورئيس لجنة العدل والتشريع في البرلمان، عن مشاركته في المسيرة.
وعندما سألنا عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، هل يطالب حزبه بملكية تسود ولا تحكم، أي ملكية برلمانية، قال إنهم في الحزب لا يؤمنون بهذا ولا يدعون إليه.
لكن يبدو أن هذا الموقف ليس رأي الجميع في حزب العدالة والتنمية، فالأستاذ مصطفى الرميد قال إنه مع تعديل دستوري يقلص من صلاحيات الملك ويدفع نحو ملكية برلمانية.
في السياسة، هناك دائما طرفان داخل الأحزاب السياسية، واحد يشد الحبل والثاني يرخيه. وعندما يكون الحزب السياسي وسط حملة تبحث لتقليم أظافره، كما هو حال العدالة والتنمية، فإن اللجوء إلى سياسة «نتا كوي وأنا نبخ» تبقى هي الحل.
وبالنسبة إلى العدالة والتنمية، الذي يتعرض لحرب منظمة، بإيعاز من فؤاد عالي الهمة، مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة، الذي وضع نقطة واحدة ووحيدة في برنامجه السياسي هي اقتلاع جذور الإسلاميين في المغرب، فإن الفرصة اليوم مناسبة، أكثر من أي وقت مضى، لتخيير النظام بين حلين:
الحل الذي يقترحه بنكيران، أي الاستمرار في مساندة الملكية التنفيذية والدفاع عنها وعدم الاصطفاف إلى جانب من يطالبون بتقليص صلاحيات الملك، وهذا الحل ليس مجانيا بطبيعة الحال، فهو يتطلب الاستجابة للائحة من المطالب، أولها توقيف عملية مطاردة الساحرات التي أطلقتها الداخلية ضد الحزب، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الستة ومناضلي الحزب الذين قررت الداخلية توريطهم في ملفات الفساد.
وفي حالة رفض الاستجابة لهذه المطالب، وهي مطالب مشروعة ومنطقية على كل حال، فإن الإسلاميين سيكونون مجبرين على رفع سقف مطالبهم وتبني أطروحة صقور الحزب الذين يقودهم الأستاذ مصطفى الرميد والذين يطالبون بتعديل الدستور والتقليص من سلطات الملك.
الذين اطلعوا على ملف جامع المعتصم، الذي لا يملك في حسابه البنكي أكثر من راتبه الشهري، وقبله على ملفات المعتقلين السياسيين الستة، يعرفون أن ملفات هؤلاء الإسلاميين فارغة، بمعنى أن اعتقالهم ومحاكمتهم بتلك الطريقة المرتبكة والمتسرعة، كانا مجرد سيناريو محبوك من طرف أجهزة المخابرات والقضاء لشيطنة الإسلاميين وتعبيد الطريق أمام حزب الأصالة والمعاصرة لدك قلاعهم الانتخابية.
لذلك، فمطالب العدالة والتنمية ليست مطالب مستحيلة أو خارج السياق، بل تصب في إطار رفع الظلم عنه وعن مناضليه، وإعادة حزب الهمة إلى حجمه الحقيقي، وإبعاد رجال الداخلية عن التدخل في تشكيل الخارطة الحزبية المغربية وشيطنة الإسلاميين لخدمة المشروع الاستئصالي الذي يقوده الوزير السابق المنتدب في الداخلية.
بالنسبة إلى إسلاميي العدل والإحسان، فالوضع مختلف، فالأمر يتعلق بحركة سياسية ممنوعة من الاشتغال داخل القانون. هذه الحركة أعلنت، على لسان الأستاذ فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسمها، أنها لازالت متحفظة حول قرارها النهائي بخصوص المشاركة في مسيرة 20 فبراير من عدمها، وأنها كلفت قطاعها الشبابي بدراسة احتمالات المشاركة. والجواب الذي يقدمه جميع قياديي التنظيم هو أن كل الخيارات واردة.
في المعجم السياسي، مثل هذه الأجوبة تعني شيئا بسيطا وواضحا، وهو دعوة النظام إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات. لقد أثبتت الانتفاضتان الشعبيتان في تونس ومصر أن سنوات طويلة من القمع والسجن والتعذيب لم تنل من الإسلاميين، بل على العكس من ذلك منحتهم القوة على الصمود والمزيد من التنظيم والقدرة على التأثير.
في تونس، التي كان بنعلي يحصي فيها يوميا المصلين الذين يؤمون المساجد ويمنع فيها الحجاب والأذان وينفي الإسلاميين ويقتلهم ويسجنهم، رأينا كيف انتهى بنعلي هاربا من تونس إلى منفاه، بينما عاد زعيم الإسلاميين راشد الغنوشي من منفاه إلى تونس محمولا على الأكتاف واستقبلته الألوف في المطار استقبال الأبطال.
ورأينا كيف أن الإخوان المسلمين، الذين ملأ بهم حسني مبارك السجون والمقابر طيلة ثلاثين سنة ومنعهم بالتزوير من الوصول إلى مجلس الشعب، انتهوا في الأخير يفاوضون الجيش بعد خلع حسني مبارك.
وعكس توقعات جميع المتخوفين من البعبع الإسلامي، أعلن الإخوان المسلمون في مصر وإسلاميو النهضة في تونس نيتهم عدم المشاركة في الحكومتين المقبلتين.
في المغرب، هناك حاجة ماسة إلى استيعاب الدرسين التونسي والمصري والتوقف عن التلويح أمام الجميع بفزاعة الإسلاميين. إنه لمن غير المقبول أن تظل حركة سياسية كالعدل والإحسان، تعتبر بشهادة الجميع القوة السياسية الأكثر تنظيما في المغرب، خارج رقعة اللعبة السياسية.
وربما أصبحت الظروف اليوم ناضجة لجلوس الداخلية إلى قياديي هذه الجماعة من أجل إنهاء القطيعة معها ومنحها الإمكانيات القانونية للاشتغال مثل بقية الفاعلين السياسيين، داخل الشرعية وفي احترام للقوانين.
ومادامت هذه الجماعة أثبتت منذ ظهورها نزوعها المبدئي نحو السلم ونبذها للعنف، فإن مبررات الحظر ضدها حان وقت إسقاطها. طبعا، فقرار مثل هذا لن يعجب أولئك الذين جعلوا هدفهم محاربة الإسلاميين، أو ما يسميه «منظر» الأصالة والمعاصرة»، إلياس العماري، «أسلمة المجتمع»، لأن فتح الباب أمام مشاركة العدل والإحسان في الحراك السياسي المغربي، وتوقيف الضربات تحت الحزام الموجهة إلى العدالة والتنمية سينزع عنهم المشروعية الوحيدة التي يستندون إليها لتبرير وجودهم وبقائهم.
لقد أثبتت الانتفاضة التونسية والمصرية وما نتج عنهما من ظهور الإسلاميين في الواجهة أن هذا المكون السياسي يجب التعامل والتعاطي معه مادام يبدي قابلية للعمل في إطار الشرعية، عوض محاربته ومحاولة استئصاله، وبالتالي تحويله إلى ضحية وتقويته.
إن أفضل امتحان للإسلاميين هو دفعهم إلى المشاركة في التسيير السياسي للبلد. وإذا اقتضت الديمقراطية أن يختارهم الشعب عبر صناديق الاقتراع لكي يسيروا أموره، سواء في الجماعات أو البلديات أو الحكومة، فإن الحل الأمثل لتجنب الدفع بهم إلى العمل في الخفاء والسرية هو إفساح المجال أمامهم لكي يضعوا برامجهم على المحك ويخبروا الفرق بين التنظير والتسيير الواقعي.
إن مشروع الهمة السياسي، الذي بنى وجوده على محاربة الإسلاميين بواسطة بقايا اليسار الذين لديهم ثأر تاريخي قديم لدى الإسلاميين، ليس مشروعا سياسيا، بل هو مشروع شخصي مبني على الانتقام والكراهية.
ويبدو أن الهمة نفسه يوجد رهينة هؤلاء اليساريين والانقلابيين القدامى الذين تآمروا ضد الملكية في وقت من الأوقات، قبل أن يعلنوا توبتهم بعد مغادرتهم للسجون وحصول بعضهم على تعويضات مجزية، ويجدوا في حزب الأصالة والمعاصرة وجمعياته الموازية، بيت الحكمة وحركة لكل الديمقراطيين وغيرهما، الملاذ السياسي والإيديولوجي لتصفية حساباتهم العالقة مع الإسلاميين.
إن رسائل العدالة والتنمية والعدل والإحسان التي حاول التنظيمان إرسالها على صهوة الأحداث المتلاحقة التي تعصف بالعالم العربي، لا يجب أن تمر دون أن يلتقطها العاقلون والحكماء الذين يحيطون بدوائر صناعة القرار.
هكذا، سيقطعون الطريق على الصقور المتنطعين الذين يعتقدون أن الاستئصال هو الحل الوحيد للتعامل مع الحركات الإسلامية في المغرب، فيما هم في الواقع لا يبحثون سوى عن مبررات لإدامة الانطباع بكونهم الوحيدين القادرين على حماية الملكية.
بينما جميع العقلاء في هذا البلد يعرفون أن أكبر حام للملكية هو الديمقراطية التي تعطي الحق للجميع في الوجود والتعبير الحر عن آرائه ومواقفه، مهما كانت مختلفة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق