الجمعة، 18 فبراير 2011

رفقا بالوطن


لم يفهم كاتب رأي في جريدة «ليبيرتي» الجزائرية كيف أن المغرب لازال، إلى حدود اليوم، ينعم بالاستقرار ولم تندلع في أرجائه تلك الثورة الدموية الموعودة التي تنبأ بها للمغرب بعض المنجمين في المجلات والجرائد الفرنسية والإسبانية.
وإذا كان كاتب الرأي الجزائري قد أصيب بالحيرة وهو «يحلل» الوضع المغربي، فإن ما تسميه جبهة البوليساريو «وكالة الأنباء الصحراوية»، وجدت في ما صرح به الأمير مولاي هشام لجريدة «إلباييس» مادة دسمة استعملتها في صياغة قصاصة تفضح لوحدها مخطط هؤلاء المنجمين والجهات الواقفة خلفهم.
وهكذا، كتبت وكالة أنباء البوليساريو أن «الأمير مولاي هشام نبه إلى أن الثورة الشعبية، التي أسقطت الرئيس التونسي والتي تعصف بالشارع المصري ضد نظام حسني مبارك، في طريقها إلى «الإطاحة» بالنظام الملكي المغربي». وكما لو أن ما قالته وكالة البوليساريو لا يكفي لإعطاء صورة مظلمة للأوضاع في المغرب، فقد أضافت قائلة: «وأوضح الأمير هشام أن «بوادر التمرد» قد بدأت في المغرب وأن كل الأنظمة الاستبدادية، ومن بينها النظام المغربي، سوف تلاقي نفس المصير، مطالبا الأطراف السياسية والمجتمع المدني بإشعال شرارة الثورة».
عندما نطالب الأمير بالالتزام بواجب التحفظ أثناء الإدلاء بآرائه في ما يخص المؤسسة الملكية التي ينتمي إليها ويستفيد من الوضع الاعتباري الذي تمنحه إياه، فلكي لا يتم استغلال آرائه ومواقفه من طرف الخصوم لطعن المغرب في وحدته واستقراره.
وها نحن نرى كيف أن الوحيدين الذين تلقفوا التصريحات النارية والمواقف الصادمة للأمير مولاي هشام وكتيبة الصحافيين الذين يشتغلون تحت إمرته، هم الصحافيون الجزائريون العاملون تحت أوامر العسكر، وصحافيو وكالة أنباء البوليساريو. وهؤلاء جميعهم متفقون حول هدف واحد ووحيد، وهو زرع الفتنة والانشقاق في ربوع المملكة لكي يسهل عليهم المرور إلى تطبيق مخططهم الجهنمي الرامي إلى تفتيت المغرب وتفكيك وحدته.
وهذه ليست المرة الأولى التي يوفر فيها هؤلاء «المنجمون» وصحافيو الخدمة المادة الخام للبوليساريو لكي تطعن المغرب في الظهر. فلسنوات طويلة، وإلى اليوم، لازالت البوليساريو تتجول في أورقة الأمم المتحدة والبرلمان الأوربي ومنظمة الوحدة الإفريقية، حاملة ملفات ثقيلة مشكـَّلة من مئات المقالات التي تستنسخها من مجلات وجرائد هؤلاء «المنجمين» المغاربة والتي ينتصرون فيها للبوليساريو ويتحدثون فيها عن «قمع» النظام المغربي لرفاقها من انفصاليي الداخل.
وعندما يدلي أفراد البوليساريو بهذه الملفات التي يدافع فيها صحافيون وحقوقيون مغاربة عن «قضيتهم» أمام محاوريهم الأوربيين والأمريكيين وحتى الأفارقة والعرب، يخرج هؤلاء المحاورون من لقاءاتهم مع البوليساريو أكثر اقتناعا بملفهم، خصوصا عندما يرون كيف أن جزءا من الصحافة المغربية وبعض المنظمات الحقوقية هي من يتبنى «قضيتهم» ويدافع بشراسة عن «ناشطيهم».
وإذا كان الأمير مولاي هشام وكتيبته الصحافية قد بقوا في حدود قراءة الطالع والتنجيم السياسي، فإن أحد أصدقاء الأمير القدامي، ويتعلق الأمر بالقبطان السابق مصطفى أديب، قد ذهب أبعد من رفاقه في «الشلة» جميعهم، وأصبح يتخيل نفسه قائدا للثورة في الشوارع.
وبما أن الثورة هذه الأيام أصبحت تقاد من أمام شاشات الحواسيب عبر صفحات «الفيسبوك» و«تويتر»، فقد نشر القبطان السابق أول «بلاغ ثوري» له قبل أيام، أصدر من خلاله تعليماته العسكرية إلى أفراد القوات المسلحة الملكية يخبرهم فيها بأن ملكهم، أي القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، ملك لا يستحق الاحترام. كما أن جنرالاتهم أيضا لا يستحقون الطاعة. وهو «البلاغ الثوري» الذي ستتلقفه الجرائد الإسبانية إياها لكي تجعل منه دليلا آخر على اندلاع الثورة الدموية الموعودة التي بشرت بها قبل أيام.
وفي غمرة حماسة الثوري، وكأي قائد ميداني، يوجه القبطان السابق نداء إلى أفراد القوات المسلحة يطلب فيها منهم عدم الامتثال لأوامر الملك أو جنرالاته بإطلاق النار على المواطنين الثائرين في الشوارع، لأن هؤلاء المواطنين هم، في النهاية، إخوانهم وأخواتهم وأبناؤهم. كما طمأن القبطان السابق أفراد الجيش بعدم الشعور بالخوف من عصيان أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة، لأن هؤلاء الذين سيصدرون الأوامر بإطلاق الرصاص على المواطنين هم من سيقفون، بعد نجاح الثورة، أمام المحكمة العسكرية.
وهكذا، فالقبطان السابق مصطفى أديب أعلن عن الثورة الشعبية في المغرب وأخرج الناس إلى الشوارع وأعطى الأوامر لأفراد الجيش بعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين ونجح في إسقاط الملكية وأوقف الذين أعطوا الأوامر لإطلاق الرصاص على المواطنين أمام المحكمة العسكرية، قبل أن يصيح في ختام بلاغه الثوري: «يحيا مغرب الحرية، يحيا مغرب العدل، يحيا مغرب الأخوة، يحيا المغرب».
وحتى يعطي لقراء بلاغه الثوري فكرة عن الجهات التي تقف وراءه، أشار القبطان السابق إلى أنه مدعوم من طرف منظمة العفو الدولية، ومدعوم من طرف منظمة محامون بلا حدود، ومدعوم من طرف المنظمة الدولية ضد التعذيب والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومدعوم من طرف منظمة «هيومن رايتس ووتش» التي، ويا للمصادفة العجيبة، يوجد ضمن مكتبها الإداري الأمير مولاي هشام الذي يعتبر من مموليها الرئيسيين.
ووسط كل هذه الجهات الدولية الداعمة للقبطان السابق، لا نكاد نعثر على اسم الجهة المهمة في كل الثورات، وهي الشعب. هل سأل القبطان السابق نفسه للحظة واحدة هل يحظى بدعم الشعب المغربي؟
المشكلة الوحيدة في كل هذا السيناريو الدموي المرعب الذي كتبه القبطان السابق للمغرب على صفحته في «الفيسبوك»، هي أنه لم يخبرنا بالمنصب العسكري الذي سيحتله بعد نجاح ثورته ووصول صديقه ومموله السابق مولاي هشام إلى سدة الحكم.
نكاد نعرف، منذ سنوات، المناصب التي يحلم بها أعضاء كتيبة الأمير مولاي هشام داخل دواليب النظام الذي يحلمون به ويهندسون أهراماته عن بعد. فمنهم من يرى نفسه مستشاره الأقرب، ومنهم من يرى نفسه وزيرا للإعلام في حكومته، ومنهم من يرى نفسه مؤنسا في بلاطه. لكن إلى اليوم، لا نعرف المنصب العسكري الذي يحلم به القبطان السابق مصطفى أديب داخل دواليب هذا النظام الموعود.
ربما يرى نفسه قائدا أعلى للقوات المسلحة. هكذا سيقطع القبطان السابق، إلى الأبد، مع مشاكله المادية الناتجة عن ماضيه المهني الفاشل الذي جعله يهاجر إلى فرنسا لكي يقضي بها عشر سنوات قبل أن يعود إلى مراكش دون أن يستطيع تحقيق استقرار مهني مثلما يصنع أغلب المهاجرين المغاربة.
إن ما يجمع بين كل هؤلاء الذين يتغنون بالثورة الدموية في المغرب، هو أنهم كانوا دائما على علاقة مادية بالأمير مولاي هشام. فالقبطان السابق مصطفى أديب اعترف، بعظمة لسانه، بأن الأمير وعده بمنحه مساعدة مالية سخية عندما سيأتي إلى فرنسا بعد خروجه من السجن، الذي دخله بعدما خرق قوانين الجيش بحديثه عن الفساد داخل هذه المؤسسة إلى صحيفة «لوموند» المعروفة بعدائها للمغرب. لكن الأمير أظهر بخلا غير متوقع ولم يلتزم بالمبلغ الكامل المتفق عليه. وقد ضرب القبطان السابق «الطر» للأمير على أعمدة الصحف والمجلات، وتحدث عن مشاكله المادية وكيف أن تنصل الأمير من الوفاء بوعده خلق له مشاكل اجتماعية كبيرة.
وبما أن الأمير يحب هو الآخر أن يضرب «الطر» للذين ينفق عليهم من أمواله، فقد سبق له أن اعترف بتوقيعه لشيكات بمبالغ محترمة لفائدة صحافيين مغاربة يشتركون اليوم في الهتاف داخل جرائدهم بشعارات الثورة الموعودة التي ستغرق المغرب في الأشلاء والدماء.
عندما نراجع ما كتب في ظرف أسبوعين حول المغرب من تكهنات سوداء ونبوءات دموية من طرف هؤلاء العرافين، نصاب حقا بالذهول من قدرة هؤلاء على الإساءة إلى بلدهم بتحريض المواطنين على الثورة وتحريض الجيش على العصيان. ولصالح من يا ترى، لصالح جنرالات الجزائر وجبهة البوليساريو الذين يزعجهم أن يخوض المغرب وملكه ثورتهما الهادئة على طريقتهما، دون أن يرهنوا مستقبل المغرب خدمة لنرجسية وأنانية بعض الباحثين عن لعب أدوار البطولة أمام شاشات الحواسيب في الغرف المظلمة.
من سوء حظ كل هؤلاء أن محمد السادس ملك محبوب من طرف المغاربة. وليس شخص كمصطفى أديب يعاني من مشاكل مع المال، غادر المغرب قبل عشر سنوات، قبل أن يعود إليه مفلسا، هو من سيقنع المغاربة بأن ملكهم شخص لا يستحق الاحترام.
ربما ينتظر القبطان السابق أن يسارع الأمن المغربي إلى إلقاء القبض عليه مجددا ومحاكمته بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك وتحريض المواطنين على العصيان المدني وتحريض الجيش على التمرد. وهكذا تجد الآلة الإعلامية الإسبانية والجزائرية والفرنسية، المعادية لوحدة المغرب، مادة دسمة للحديث عن قمع حرية التعبير، وتتحرك منظمة مولاي هشام «هيومن رايتس ووتش» لتدبيج بياناتها المنددة بتراجع الحريات في المغرب. مع أن نشر مثل هذه الدعوات في أمريكا نفسها يؤدي بصاحبها إلى الوقوف أمام المحكمة متابعا بتهم ثقيلة تصل عقوبتها إلى الإعدام.
لذلك، فالجواب الأنسب عن «أحلام» و«رؤى» كل هؤلاء المنجمين هو تركهم يمارسون حريتهم في التعبير عما يتزاحم في دواخلهم من حقد وغل وضغينة تجاه المغرب وملكه وشعبه.
فالشعب يعرف من هم أعداؤه الحقيقيون كما يعرف من هم الذين يدافعون عن كرامته ووحدته ويسهرون على حراسة ممتلكاته.
لقد استغفلوا المغاربة بشعارات الثورة الحمراء طيلة ثلاثين سنة، فلم ينجحوا سوى في تضييع ثلاثة عقود من التنمية على المغرب. وهاهم اليوم نفس «الثوار» يطلون برؤوسهم مجددا حالمين بإعادة المغرب إلى أتون الصراع الأزلي حول من سيحكم مكان الآخر.
والشعب في كل هذا، هل أخذوا رأيه، هل استمعوا إلى موقفه، هل استشاروه قبل الحديث باسمه واستعماله في كل مرة كسلم للصعود نحو أحلامهم الدموية التي عششت وباضت في رؤوسهم المرفوعة باستعلاء نحو عنان السماء؟
الشعب غائب عن حساباتهم، لأنهم ببساطة لم يكونوا أبدا إلى جانبه، فقد كانوا دائما إلى جانب أحلامهم المتعطشة للسلطة والحكم.
المشكلة اليوم هي أن هذه الأحلام تصب في صالح أعداء الوطن والمتربصين بأمنه ووحدته واستقراره.
وهنا يتحول الحلم إلى خيانة، وحده التاريخ قادر على محاكمة أصحابها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق