الخميس، 31 مارس 2011

الواكل العام للملك

ليس مفاجئا أن تكون أغلب الشعارات، التي يرفعها المتظاهرون في شوارع المدن المغربية، تطالب بمحاربة الفساد. فقد أصبح هناك وعي جماعي في المغرب بأن عدو الشعب الأول هو الفساد.
لكن من سيحارب هذا الفساد إذا كان القضاء في المغرب هو العش الذي يتربى فيه الفساد ويبيض.
إن حال من يريدون إصلاح أحوال المغرب دون البدء بإصلاح أحوال القضاء كمن يريدون بناء سقف بيت دون وضع الأساسات. إذا كان من الممكن بناء سقف بيت بدون دعامات، ففي هذه الحالة يمكن إصلاح أحوال المغرب بدون إصلاح قضائه، وهذا طبعا من رابع المستحيلات.
ومادام وكلاء الملك العامون الذين وصلوا سن التقاعد ملتصقين بكراسيهم، فإن مشروع إصلاح القضاء سيظل مؤجلا، لأن الفساد القضائي المتفشي في محاكم المملكة سببه استبداد هؤلاء الوكلاء العامين للملك وبقاؤهم في مناصبهم، إلى درجة أنهم أطلقوا جذورهم في كل مؤسسات المدن التي «خيموا» بها عشرات السنين.
والله ثم والله لن تقوم لهذه البلاد قائمة مادام وكلاء الملك العامون الذين وصلوا سن التقاعد لاصقين  بكراسيهم. والله ثم والله لن يصلح أمر القضاء في هذه البلاد مادام الثلاثي «بشر» المفتش العام لوزارة العدل، و«لديدي» الكاتب العام لوزارة العدل، و«عبد النبوي» مدير الشؤون الجنائية والعفو، خالدين في مناصبهم.
إنه لمن العار أن يظل قاض كالمستاري وكيلا عاما للملك على مراكش منذ ثلاثين سنة، بينما زوجته القاضية رئيسة للمحكمة التجارية. «شي يكوي وشي يبخ». ومن العار أن يشارف الوكيل العام للملك بأكادير، السيد «الحبيب دحمان»، على الثمانين سنة ويقضي بأكادير 23 سنة كاملة دون أي تغيير.
كما أنه من المخجل أن يظل الوكيل العام للملك «البوزياني» لاصقا ثماني عشرة سنة بمنصبه في فاس. كما أنه من المثير للدهشة والاستغراب أن يتم الاحتفاظ بالوكيلين العامين للملك، البلغيثي في الدار البيضاء، والعوفي في الرباط، والتمديد لهما رغم وصولهما سن التقاعد.
لقد قدم هذان الوكيلان العامان للملك خدمات «جليلة» للدولة عندما حكما بقرون من السنوات في حق آلاف المعتقلين في ملف الإرهاب، وأرسلا إلى السجن المئات من المظلومين، الذين يعرفان أكثر من غيرهما أن اعترافاتهم تم انتزاعها تحت التعذيب. مثلما انتزع الوكيل العام للملك بمراكش، بأمر من عبد العزيز إيزو، الاعترافات من مستخدمي  القصر الملكي بمراكش تحت التعذيب، مما تسبب في موت أحدهم. واليوم آن الأوان لكي يرحل هؤلاء الوكلاء العامون للملك جميعا، لأن الدولة لم تعد بحاجة إلى خدماتهم «الجليلة».
لقد أعطت الدولة إشارات قوية عن رغبة أعلى سلطة بالبلاد في تطهير المؤسسات ومحاسبة كل من يتحمل مسؤولية عمومية. لكن بقاء هؤلاء الوكلاء العامين للملك يعيق هذه الثورة القضائية، ويضع العصي في عجلاتها، والسبب هو أن هؤلاء الوكلاء العامين للملك مستأمنون على مصالح وملفات ضخمة جدا، تختلط فيها رائحة تراب الأراضي برائحة «أعشابها».
وعوض أن يحرك السيد الوكيل العام للملك بالرباط مذكرات البحث في حق أباطرة المخدرات، الذين يتجولون في الرباط على متن سياراتهم الفارهة، التي تحمل شارة البرلمان وما هم ببرلمانيين، يفضل أن يتدخل لابنته صونيا العوفي لإخراجها مثل الشعرة من العجين من ملف النصب والاحتيال الذي تورطت فيه مؤخرا، مثلما تعود أن يصنع دائما مع ابنته الموثقة المدللة، التي تأتيها «الخدمة» حتى باب مكتبها من كل مدن المغرب، خصوصا الريف والشمال الذي يروج فيه العوفي نفسه كحاكم بأمره في الرباط.
ولماذا لا يصنع ذلك مادام سعادة الوكيل العام للملك هو من يشرف على لجان امتحان الموثقين كل سنة ويحدد من سينجح ومن سيسقط. ولذلك ليس مستغربا أن تكون ابنته على رأس لائحة الناجحين والمعينين في الرباط، المدينة التي لا يحلم أي موثق أن يتعين فيها.
إن خطورة ترك هذا القاضي في منصب الوكيل العام للملك بالرباط كل هذه السنوات، بعدما بدأ مشواره معلما بالمدارس الابتدائية، تتجلى في كونه استطاع أن ينسج شبكة علاقات قوية امتدت من الرباط إلى الريف. وكل من يبحث عن تدخل لتحريك ملفه في الرباط ما عليه سوى أن يتصل بإلياس العماري، ابن بلدته، أو بأحد سماسرة العوفي أو ابنته لكي «يفك جرته».
إن من يرعى الفساد القضائي في محاكم المملكة ويمنحه الحماية هم أمثال هؤلاء الوكلاء العامين للملك، الذين حولوا الأحكام القضائية إلى سياط يجلدون بها عباد الله ويرهبونهم بتحريكها أمامهم للرضوخ للابتزاز.
لقد كتبنا أكثر من مرة حول ابن الجنرال العراقي، الذي نصب على ثلاثة بنوك دفعة واحدة بتوقيعات مزورة لمؤسسة الجيش. ورغم أننا نشرنا تفاصيل هذه الجريمة، التي تم فيها استعمال هيبة مؤسسة كالجيش، للنصب على ثلاثة بنوك دفعة واحدة، وأعطينا اسم المتهم ونسبه، فإن مفاجأتنا كانت كبيرة عندما اكتشفنا بأن ابن الكولونيل المدلل يتحرك بحرية ويسافر دون أن تكون هناك مذكرة إقفال الحدود في وجهه. وكل ما وجده البلغيثي، الوكيل العام للملك بالدار البيضاء، لكي يقوله لنا هو أن المسطرة جارية وسيتم إعمال القانون.
أين هو القانون يا سيادة الوكيل العام في هذا الملف؟ لماذا لم تجرؤ أنت ولا وكيل الملك بمحكمة القطب الجنحي بعين السبع، رشيد بناني، على اعتقال ابن الكولونيل العراقي بتهمة تزوير وثائق وأختام باسم الجيش؟ هل يكفي أن يكون ابن الكولونيل العراقي قد عوض البنوك الثلاثة عن الأموال التي سرقها منهم لكي يتم إغلاق الملف؟ وأين هي هيبة مؤسسة الجيش التي لطخها هذا الولد المدلل؟.
لم يجرؤ أحد على عرض هذا الولد المدلل على المحكمة لأنه ليس في واقع الأمر سوى رجل القش، الذي يستخدمه كولونيلات وجنرالات يوجدون في الظل لسرقة أموال الدولة بواسطة صفقات وهمية. والذين تسلموا «الشناطي» المنتفخة بمئات ملايين السنتيمات في هذا الملف يعرفون جيدا من يكون هؤلاء الذين يشتغل الفتى المدلل لحسابهم.
إن التحدي الكبير المطروح اليوم أمام امتحان الإصلاح الذي أعلن المغرب انخراطه فيه هو: هل يستطيع القضاء، كسلطة مستقلة، أن يجعل أمثال هؤلاء الناس يمثلون أمامه لمحاكمتهم؟.
شخصيا لن أصدق أن المغرب تغير ما دمت لم أر بعد الوزراء والجنرالات وكبار المسؤولين وأبناءهم يمثلون أمام القضاء كما يمثل أمامه أبناء عامة الشعب.
ومادام لدينا وكلاء عامون للملك من عيار المستاري والعوفي والبلغيثي، فإن المغاربة لن يروا هذا اليوم الموعود أبدا،  لأن أحرص الناس على مصالح وامتيازات هؤلاء السادة الذين يوجدون فوق القانون هم هؤلاء الوكلاء العامون للملك بالضبط، فكأنما نوصي الذئب خيرا بالغنم.
فهل سيحكم المستاري ضد الملياردير برادة صاحب مشاريع «لابالموري»، الذي يشتري أراضي مزورة التحفيظ ويلجأ إلى القضاء لتبييض سجلاته العقارية كما يفعل في مراكش؟ أم تراه سيحكم ضده العوفي الذي فعل كل ما بوسعه في المجلس الأعلى للقضاء لتغيير وكيل الملك بتطوان بوكيل آخر بعدما رفض هذا الأخير قبول 200 مليون عدّا ونقدا مقابل تحفيظ أرض سلالية مساحتها 1165 هكتارا في ساحل واد لو خارج الأجل لصالح الملياردير برادة.
وبمجرد ما «طار» وكيل الملك النظيف وحل محله وكيل ملك آخر حتى حصل برادة، بقدرة قادر، على وثيقة التحفيظ خارج الأجل التي كان يحتاجها لأجل إطلاق مشروعه الاستثماري.
هل سيحكم البلغيثي، الوكيل العام للملك بالدار البيضاء، ضد ابن الكولونيل العراقي الذي نصب على ثلاثة بنوك باسم الجيش؟ وهل سيجرؤ القاضي، الذي حل محل رشيد بناني على رئاسة القطب الجنحي، على فتح هذا الملف عطن الرائحة لكي يطلع العدالة على من أكل وشرب في الدار البيضاء والرباط بفضل هذه «الهمزة»؟.
بعبارة أخرى، هل ستكون للقضاء الجرأة الكافية لتطبيق القانون على الجميع وبالتساوي بغض النظر عن الأسماء العائلية والمراتب الاجتماعية والألقاب التي تنتمي لعصر بائد كفلان «من جهة الشرفا» أو فلانة «بنت عائلة» أو فرتلان «عندو ضلعة فالعسكر»؟.
إن التوجه الدستوري نحو فصل السلطة القضائية عن باقي السلطات، وإعطائها جميع ضمانات الاستقلالية يعني أن الدستور المقبل، إذا وافق عليه المغاربة، سيعطي للقضاة سلطات واسعة. المشكل هو أن هؤلاء القضاة سيجدون أنفسهم خاضعين لوكلاء ملك عامين تعودوا طيلة حياتهم على الاشتغال بمنطق التعليمات والأوامر الفوقية، مما يعني أن الإصلاح المنشود للقضاء سيجد نفسه أمام جدار سميك يستحيل عليه اختراقه. إن ما يعيشه المغرب من محن بسبب مشروع إصلاح القضاء المعطل يمكن أن نلخصه في صورة حافلة تعطلت في الطريق بسبب عطب في المحرك، وعوض أن يتم تعويض المحرك بمحرك آخر جديد، يتم تغيير الركاب. وعندما يرفض محرك الحافلة الدوران يتم تغيير السائق.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: لماذا لا يجلس مالك الحافلة ويفكر قليلا ويتخذ قرار تغيير المحرك الذي هو أصل المشكل؟.
بالعربية «تاعرابت»، والله لن تتحرك حافلة القضاء في هذه البلاد مادام «مسامر الميدة» هؤلاء مزروعين في طريقها. «وها وجهي ها وجهكم».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق