الأربعاء، 30 مارس 2011

الاستثناء المغربي

بعد نجاحهم بشكل باهر في تمييع الحياة الحزبية وتحويلها إلى رصيف لممارسة الدعارة السياسية، ها نحن نرى كيف يحاول بعض السياسيين تمييع تظاهرات شباب 20 فبراير بعدما ميعوا الحكومة والبرلمان.
ومنذ أن عبر الاتحاد الاشتراكي عن موقفه الداعم لحركة 20 فبراير وتظاهراتها خلال مجلسه الوطني الأخير، الذي عاد إليه الثلاثي الغاضب بعد انتهاء فترة الحداد على الديمقراطية الداخلية، لم يعد هذا الحزب يعرف أي موقف يثبت عليه.
ولعل قمة التناقض في المواقف السياسية للاتحاد الاشتراكي ظهرت خلال مسيرات 20 مارس الأخيرة عندما خرج برلمانيون وقياديون في الحزب للمشاركة إلى جانب المتظاهرين الذين يطالبون بحل الحكومة والبرلمان.
كان هذا الموقف من جانب الاتحاديين الذين خرجوا في المسيرة سيصير مشرفا وباعثا على الاطمئنان على حال الحياة الحزبية المغربية لولا أن الحكومة، التي يطالب المتظاهرون بإسقاطها بسبب فسادها، يتوفر فيها حزب الاتحاد الاشتراكي على وزراء. كما أن البرلمان الذي يطالبون بحله بسبب لا ديمقراطيته يوجد لدى الحزب داخله فريق نيابي.
كيف إذن يستقيم أن يخرج برلمانيون وقياديون في الاتحاد الاشتراكي للمطالبة بإسقاط حكومة وبرلمان يشاركون فيهما ويتقاضون أجورا شهرية نظير هذه المشاركة.
والمصيبة أن الاشتراكيين لم يكونوا وحدهم من حاول الركوب على موجة تظاهرات 20 فبراير و20 مارس، بل نزلت معهم إطارات من حزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة هو الآخر. أما العدالة والتنمية فقد نزل ثلاثة من برلمانييه ليشاركوا في مسيرة المطالبة بحل البرلمان وإسقاط الحكومة.
أعترف أنني لم أعد أفهم شيئا. من يطالب بحل الحكومة والبرلمان عليه أن يعطي المثال بنفسه أولا، أي على البرلماني، ببساطة، أن يقدم استقالته من البرلمان قبل أن ينزل إلى الشارع لكي يشارك في تظاهرات للمطالبة بحل البرلمان، وعلى القيادي الحزبي أن يطالب وزراءه بتقديم استقالتهم من الحكومة قبل أن ينزل إلى الشارع للمطالبة بحل الحكومة.
هذه أبسط أبجديات العمل السياسي كما هو متعارف عليه عالميا. لكن يبدو أننا في المغرب ميعنا كل شيء، إلى درجة أن المؤسسات والهيئات فقدت هيبتها وأصبحت مجرد إطارات فارغة من كل معنى.
اليوم من شدة «التلفة» التي أصابت الجميع أصبح البعض عاجزا عن التمييز بين وضعه الحكومي والنضالي. والدليل الأكبر على هذه الدوخة نعثر عليه في القصاصة، التي بثتها وكالة «بوزردة» للأنباء، الذي يقضي معظم وقته منذ ستة أشهر في تحطيم سيارات الخدمة «فنصاصات» الليل بالعاصمة لتعويض «طرده» من العمل، وهي تزف إلينا خبر مشاركة سفيرة المغرب في كندا، الاتحادية نزهة الشقروني، في أشغال الأممية العالمية الاشتراكية بأثينا بوصفها نائبة الرئيس.
هل هناك سفير في العالم يترك مهامه الدبلوماسية جانبا لكي يتفرغ لممارسة مهامه الحزبية ؟
إننا فعلا في المغرب نشكل استثناء في العالم. وهناك أدلة كثيرة على هذا الاستثناء المغربي الباهر الذي يميزنا عن جميع بلدان المعمور.فنحن البلد الوحيد الذي لديه قناة عمومية كالقناة الثانية تترأس مديرية أخبارها سيدة اسمها سميرة سيطايل لا تستطيع أن تفك كلمة واحدة في اللغة العربية، اللغة الرسمية للمملكة. كما أننا البلد الوحيد في العالم الذي يرسل سفيرا إلى بروكسيل دون زوجته، لأن السيدة المصون تدير غرفة الأخبار في القناة الثانية بطريقة غبية جعلت سيارات القناة مجبرة على إخفاء علامة القناة حتى لا يرميها الناس بالحجارة في الشوارع بسبب تزييفها الحقائق وتشويهها الأخبار.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي تعتبر فيه الجريدة الأولى من حيث المبيعات والتأثير في صناعة الرأي والقرار ممنوعة من المرور في برامج القناة الثانية وأخبارها، بأمر من سعادة المديرة زوجة سعادة السفير.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي لديه مجلس أعلى للسمعي البصري يوجد به «حكيم» اسمه إلياس العماري يفصل بين القنوات ويقرر في تراخيص الإذاعات، رغم أن مستواه الدراسي هو الباكالوريا ناقص ثلاثة. وهذا لم يمنعه من حمل ظهيرين ملكيين، واحد لتنصيبه في الهيئة، والثاني لتنصيبه في المجلس الملكي للأمازيغية.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يوجد فيه وزير للشباب والرياضة يفتتح الملاعب الرياضية ويملك شركة خاصة ستتكلف بتوزيع التبغ المستورد على جميع مدن المغرب. وزير مشغول بالحديث عن استعداد المغرب لإنفاق 250 مليون دولار لاستضافة أولمبياد 2024 و2028 الصيفي، بينما مستشار الوزير الأول يقول للشباب المعطل الذي يجوب شوارع المدن مطالبا بالشغل إن ميزانية الدولة لا تسمح بتشغيل الجميع.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يدفع فيه المواطنون عند شرائهم الأدوية الضريبة على القيمة المضافة. حتى الدول العربية المتخلفة تعفي حكوماتها مواطنيها من دفع هذه الضريبة.
ونحن البلد الوحيد الذي استطاعت فيه أقلية بمجلس المستشارين أن تنصب الشيخ بيد الله رئيسا للمجلس، وأن يصبح حزب كالأصالة والمعاصرة صاحب أكبر أغلبية في مجلس النواب دون أن يكلف نفسه عناء المشاركة في الانتخابات، وأن يستقبل هذا الحزب «المعارض» في حركته وزراء من حزب الأحرار الذي يوجد في الأغلبية الحكومية ويتحالف معهم بدون عقد.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يؤدي فيه المسؤولون الثمن غاليا عندما يريدون القيام بواجبهم. فنحن نعتقل عميد الأمن جلماد لأنه حجز ثمانية أطنان من المخدرات في الناظور، بينما نمتع أباطرة المخدرات بالسراح وإغماض العين عن المبحوث عنهم. ونحن نعتقل جامع المعتصم الذي ليس لديه في رصيده البنكي غير راتبه، بينما نحمي السنتيسي الذي تحول من حامل حقائب بفندق «هيلتون» إلى ملياردير يبحث اليوم لكي يبيع ممتلكاته خوفا من نتائج لجنة التحقيق التي تعكف على ملفاته.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يعين على رأس لجنة تقصي الحقائق في مخيم العيون برلمانيا كرشيد الطالبي العلمي، الذي يملك مصنعا يشتغل خارج القانون بتطوان.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يذهب وزير ماليته إلى بنوك العالم لكي يغرق الأجيال القادمة ويستدين مليار أورو، لكي نكتشف في الأخير أن نصف هذا القرض ستأخذه شركة فيفاندي الفرنسية كأرباح سنوية، فيما النصف الآخر لن يكفي لتوزيعه كأرباح بين «لديك» و«ريضال» و«أمانديس» وبقية الشركات الفرنسية التي تجفف سنويا بنك المغرب من العملة الصعبة.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يجد المال الكافي لدفع تعويضات بمئات الملايين المستخلصة من صناديق المؤسسات العمومية لنجوم الغناء العالميين كل سنة، لكنه بالمقابل لا يجد المال الكافي لإنقاذ أبناء قرى الأطلس والريف والجنوب من الجوع والبرد والجراثيم، التي انقرضت من الكرة الأرضية قبل عشرات السنين.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يمكن أن تعثر في المجلس الحكومي الواحد على الرجل وأصهاره وأبناء عمومته وأخواله جالسين جنبا إلى جنب، كما لو أن الأمر يتعلق بجلسة عائلية وليس بمجلس حكومي.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي تصدر فيه تقارير المجلس الأعلى للحسابات وعوض أن يرتجف بسببها المسؤولون نرى كيف يسخر منها وزير المالية ويقول إنها ليست قرآنا منزلا، ويتهم العمدة شباط قضاة المجلس ويصفهم بالإرهابيين. 
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي تضحك فيه وزيرة الصحة ملء شدقيها في البرلمان بسبب اسم داء جلدي حوّل حياة سكان الرشيدية وتافيلالت إلى جحيم.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي ترفض فيه وزيرة الصحة تنفيذ أحكام نهائية صدرت ضدها باسم الملك لصالح طبيبات حطمت الوزيرة حياتهن الأسرية ومنعت عنهن رواتبهم بدون وجه حق.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي أصبح فيه تعاطي الإخراج السينمائي أقرب طريق للثراء. وهكذا بمجرد ما يخط ممثل من الدرجة الثالثة قصة سخيفة فيها جنس وخمر وشذوذ يحصل على مئات الملايين من صندوق الدعم لتصوير خلاعته السينمائية، التي يحولها كتاب الدرجة الرابعة إلى تحف فنية تدخل بالمغرب إلى عهد الحداثة والتنوير والتقدمية.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يدعم شركة كوكاكولا بالسكر، على الرغم من أن هذه الشركة تحقق أرباحا خيالية كل سنة.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يتكلف فيه ابن وزير الخارجية بالدفاع عن وزارة والده بواسطة مؤسسته التي تجمع ملايير الدعم من المؤسسات العمومية.
ونحن البلد الوحيد الذي يستعمل فيه أبناء وزوجة وزير الخارجية سيارات وزارة الخارجية وسائقيها، ضدا على قرار الوزير الأول حول ترشيد نفقات المؤسسات العمومية.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يكتري رئيس جامعته الكروية طائرة خاصة لكي يتابع مباراة خاسرة لمنتخبه.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يصرف راتبا شهريا يكفي لتشغيل آلاف العاطلين لمدرب فرنسي فاشل يجمع الهزائم أينما ذهب بمنتخبه.
بعد كل هذا هل هناك من لازال يشك في الاستثناء المغربي؟.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق