الأربعاء، 16 مارس 2011

الرأي‮ ‬والرأي‮ ‬الآخر‮

مررت،‮ ‬كعادتي،‮ ‬زوال‮ ‬الأحد‮ ‬الماضي‮ ‬وسط‮ ‬مدينة‮ ‬الدار‮ ‬البيضاء،‮ ‬فأثار‮ ‬استغرابي‮ ‬وجود‮ ‬عناصر‮ ‬من‮ ‬قوات‮ ‬التدخل‮ ‬السريع‮ ‬ترتدي‮ ‬قمصانا‮ ‬واقية‮ ‬من‮ ‬الرصاص‮. ‬راجعت‮ ‬برنامج‮ ‬الاحتجاجات‮ ‬التي‮ ‬أعلنت‮ ‬عنها‮ ‬الهيئات‮ ‬المكونة‮ ‬لحركة‮ ‬20‮ ‬فبراير،‮ ‬فلم‮ ‬أعثر‮ ‬سوى‮ ‬على‮ ‬برنامج‮ ‬لوقفة‮ ‬احتجاجية‮ ‬للتعبير‮ ‬السلمي‮ ‬عن‮ ‬مطالب‮ ‬الحركة‮. ‬
مرت‮ ‬ساعة،‮ ‬فبدأت‮ ‬أتوصل‮ ‬بصور‮ ‬التدخل‮ ‬العنيف‮ ‬الذي‮ ‬قامت‮ ‬به‮ ‬عناصر‮ ‬الأمن‮ ‬ضد‮ ‬المحتجين‮ ‬والصحافيين،‮ ‬وهو‮ ‬التدخل‮ ‬المجاني‮ ‬والعبثي‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬ليحدث‮ ‬بدون‮ ‬صدور‮ ‬أوامر‮ ‬من‮ ‬وزير‮ ‬الداخلية‮ ‬شخصيا‮.‬
وزير‮ ‬الداخلية‮ ‬هذا‮ ‬إما‮ ‬أنه‮ ‬لم‮ ‬يستمع‮ ‬إلى‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬وإما‮ ‬أنه‮ ‬استمع‮ ‬إليه‮ ‬وفهمه‮ ‬بالمقلوب‮. ‬فعندما‮ ‬تحدث‮ ‬الملك‮ ‬عن‮ ‬تضمين‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد‮ ‬حماية‮ ‬الحقوق‮ ‬الفردية‮ ‬والجماعية،‮ ‬فإنه‮ ‬أعطى‮ ‬إشارة‮ ‬قوية‮ ‬إلى‮ ‬دستورية‮ ‬الحق‮ ‬في‮ ‬الاحتجاج‮ ‬والتعبير‮ ‬عن‮ ‬الرأي‮.‬
وما‮ ‬قام‮ ‬به‮ ‬المتظاهرون‮ ‬يوم‮ ‬الأحد‮ ‬يدخل‮ ‬ضمن‮ ‬الأساليب‮ ‬الديمقراطية‮ ‬المتعارف‮ ‬عليها‮ ‬عالميا‮ ‬في‮ ‬التعبير‮ ‬عن‮ ‬الرأي،‮ ‬طالما‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬التعبير‮ ‬كان‮ ‬سلميا‮ ‬وحضاريا‮ ‬ولا‮ ‬يشكل‮ ‬أي‮ ‬تهديد‮ ‬للأمن‮ ‬العام‮.‬
هناك‮ ‬إذن،‮ ‬وعلى‮ ‬مستوى‮ ‬وزارة‮ ‬الداخلية،‮ ‬صعوبة‮ ‬في‮ ‬فهم‮ ‬مضامين‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي،‮ ‬جعلت‮ ‬سعادة‮ ‬الوزير‮ ‬يعتبر‮ ‬احتجاج‮ ‬المواطنين‮ ‬بعد‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬شكلا‮ ‬من‮ ‬أشكال‮ ‬تقليل‮ ‬الأدب‮ ‬على‮ ‬الملك‮. ‬
إن‮ ‬هذا‮ ‬الفهم‮ ‬المخزني‮ ‬العتيق‮ ‬للعلاقة‮ ‬التي‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬بين‮ ‬الملك‮ ‬والمواطنين‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬له‮ ‬مكان‮ ‬في‮ ‬مغرب‮ ‬ما‮ ‬بعد‮ ‬خطاب‮ ‬التاسع‮ ‬من‮ ‬مارس‮. ‬ويبدو‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬أشخاصا‮ ‬داخل‮ ‬الدولة‮ ‬لازالوا‮ ‬يعتقدون‮ ‬أن‮ ‬كل‮ ‬من‮ ‬عارض‮ ‬الملك‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يتم‮ ‬تكسير‮ ‬أسنانه‮ ‬وضلوعه‮. ‬
لا‮ ‬يا‮ ‬سادة،‮ ‬أولئك‮ ‬الذين‮ ‬لديهم‮ ‬رأي‮ ‬مخالف‮ ‬لما‮ ‬جاء‮ ‬في‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي،‮ ‬لديهم‮ ‬كامل‮ ‬الحق‮ ‬في‮ ‬التعبير‮ ‬عن‮ ‬هذا‮ ‬الرأي،‮ ‬بدون‮ ‬أن‮ ‬ينتهوا‮ ‬إلى‮ ‬مخافر‮ ‬الأمن‮ ‬أو‮ ‬غرف‮ ‬المستعجلات‮ ‬مثلما‮ ‬حدث‮ ‬يوم‮ ‬الأحد‮.‬
إن‮ ‬الديمقراطية‮ ‬الحقيقية‮ ‬هي‮ ‬تلك‮ ‬التي‮ ‬تسمح‮ ‬للجميع‮ ‬بالتعبير‮ ‬داخلها‮ ‬بحرية،‮ ‬وتعطي‮ ‬الكلمة‮ ‬الفصل‮ ‬في‮ ‬الأخير‮ ‬للشعب،‮ ‬بدون‮ ‬وصاية‮ ‬من‮ ‬أحد‮.‬
إذا‮ ‬كانت‮ ‬حركة‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬والهيئات‮ ‬السياسية‮ ‬والنقابية‮ ‬والشبابية‮ ‬المشكلة‮ ‬لها‮ ‬قد‮ ‬رأت‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬أتى‮ ‬به‮ ‬الملك‮ ‬شيئا‮ ‬إيجابيا،‮ ‬لكنه‮ ‬لا‮ ‬يستجيب‮ ‬لمطالب‮ ‬الحركة‮ ‬التي‮ ‬تطالب‮ ‬بحل‮ ‬الحكومة‮ ‬والبرلمان‮ ‬وتشكيل‮ ‬حكومة‮ ‬تصريف‮ ‬أعمال‮ ‬والإعداد‮ ‬لانتخابات‮ ‬سابقة‮ ‬لأوانها،‮ ‬فمن‮ ‬حقها‮ ‬أن‮ ‬تقرر‮ ‬الاستمرار‮ ‬في‮ ‬الاحتجاج‮ ‬المنتظم‮ ‬والسلمي‮ ‬في‮ ‬الشارع،‮ ‬لأن‮ ‬الحق‮ ‬في‮ ‬الاختلاف‮ ‬هو‮ ‬أحد‮ ‬الحقوق‮ ‬الفردية‮ ‬والجماعية‮ ‬الأساسية‮ ‬التي‮ ‬تنص‮ ‬عليها‮ ‬جميع‮ ‬الدساتير‮ ‬الديمقراطية‮. ‬
فهذه‮ ‬الحركة‮ ‬قبل‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬تمثل‮ ‬0.1‮ ‬في‮ ‬المائة‮ ‬من‮ ‬المغاربة‮ ‬إذا‮ ‬أخذنا‮ ‬نسبة‮ ‬الـ37‮ ‬ألفا‮ ‬التي‮ ‬أعلنت‮ ‬عنها‮ ‬الداخلية‮ ‬للمشاركين‮ ‬الذين‮ ‬خرجوا‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬مدن‮ ‬المغرب‮ ‬يوم‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬وقسمناها‮ ‬على‮ ‬30‮ ‬مليون‮ ‬مغربي‮ ‬الذين‮ ‬يشكلون‮ ‬سكان‮ ‬المغرب‮. ‬وإذا‮ ‬خرج‮ ‬مليون‮ ‬مغربي‮ ‬يوم‮ ‬20‮ ‬مارس،‮ ‬فإن‮ ‬هذه‮ ‬الحركة‮ ‬ستصبح‮ ‬معبرة‮ ‬عن‮ ‬رأي‮ ‬3‮ ‬في‮ ‬المائة‮ ‬من‮ ‬المغاربة،‮ ‬وهذه‮ ‬الفئة‮ ‬من‮ ‬الشعب‮ ‬من‮ ‬حقها‮ ‬أن‮ ‬تعبر‮ ‬عن‮ ‬رأيها،‮ ‬سواء‮ ‬في‮ ‬الشارع‮ ‬أو‮ ‬في‮ ‬وسائل‮ ‬الإعلام‮ ‬العمومية،‮ ‬بطريقة‮ ‬سلمية‮ ‬ومنظمة‮ ‬بدون‮ ‬أن‮ ‬تتعرض‮ ‬للتعنيف‮ ‬أو‮ ‬التضييق‮ ‬أو‮ ‬الاعتقال‮.‬
وفي‮ ‬مقابل‮ ‬ذلك،‮ ‬يجب‮ ‬على‮ ‬قياديي‮ ‬حركة‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬أن‮ ‬يقبلوا،‮ ‬في‮ ‬إطار‮ ‬الديمقراطية،‮ ‬بوجود‮ ‬فئات‮ ‬أخرى‮ ‬من‮ ‬المغاربة‮ ‬لديها‮ ‬رأي‮ ‬آخر‮ ‬في‮ ‬الموضوع‮ ‬لا‮ ‬يساير‮ ‬بالضرورة‮ ‬توجهاتهم‮ ‬السياسية‮ ‬ومواقفهم‮ ‬الإيديولوجية‮.‬
هذه‮ ‬الفئات‮ ‬الأخرى‮ ‬تعتقد‮ ‬أن‮ ‬مطلب‮ ‬حل‮ ‬الحكومة‮ ‬والبرلمان‮ ‬الذي‮ ‬تنادي‮ ‬به‮ ‬حركة‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬هو‮ ‬تحصيل‮ ‬حاصل،‮ ‬فعمر‮ ‬حكومة‮ ‬عباس‮ ‬الفاسي‮ ‬لن‮ ‬يتجاوز‮ ‬الخريف‮ ‬المقبل‮ ‬من‮ ‬هذه‮ ‬السنة،‮ ‬ومن‮ ‬يرجع‮ ‬إلى‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬سيعثر‮ ‬على‮ ‬جملة‮ ‬تفيد‮ ‬بأن‮ ‬الحكومة،‮ ‬التي‮ ‬ستحكم‮ ‬المغاربة‮ ‬بعد‮ ‬طرح‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد‮ ‬للاستفتاء‮ ‬والتصويت‮ ‬عليه‮ ‬من‮ ‬طرف‮ ‬الشعب‮ ‬بالموافقة،‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬حكومة‮ ‬منتخبة‮.‬
والحال‮ ‬أن‮ ‬حكومة‮ ‬عباس‮ ‬الفاسي‮ ‬ليست‮ ‬كلها‮ ‬حكومة‮ ‬منتخبة،‮ ‬فداخلها‮ ‬يوجد‮ ‬عشرة‮ ‬وزراء‮ ‬غير‮ ‬منتخبين،‮ ‬بمعنى‮ ‬أن‮ ‬عباس‮ ‬الفاسي‮ ‬بمجرد‮ ‬ما‮ ‬ستنتهي‮ ‬اللجنة‮ ‬من‮ ‬إعداد‮ ‬الدستور‮ ‬في‮ ‬نهاية‮ ‬جوان‮ ‬وتطرحه‮ ‬للاستفتاء‮ ‬لكي‮ ‬سيصوت‮ ‬عليه‮ ‬المغاربة،‮ ‬سيكون‮ ‬مضطرا،‮ ‬في‮ ‬حالة‮ ‬قبول‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد،‮ ‬إلى‮ ‬تقديم‮ ‬استقالته‮ ‬على‮ ‬الملك‮ ‬وحل‮ ‬حكومته‮ ‬وإجراء‮ ‬انتخابات‮ ‬سابقة‮ ‬لأوانها‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬تشكيل‮ ‬حكومة‮ ‬منتخبة‮ ‬لا‮ ‬تتناقض‮ ‬مع‮ ‬روح‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد،‮ ‬بمعنى‮ ‬أن‮ ‬الأمور‮ ‬إذا‮ ‬سارت‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الاتجاه‮ ‬فإن‮ ‬حكومة‮ ‬عباس‮ ‬الفاسي‮ ‬ستسقط‮ ‬أوراقها‮ ‬مع‮ ‬بداية‮ ‬الخريف‮ ‬المقبل،‮ ‬وسيتم‮ ‬الإعلان‮ ‬عن‮ ‬انتخابات‮ ‬سابقة‮ ‬لأوانها‮ ‬بتزامن‮ ‬مع‮ ‬الدخول‮ ‬السياسي‮ ‬في‮ ‬سبتمبر‮ ‬المقبل‮. ‬هكذا‮ ‬سيكون‮ ‬المغاربة‮ ‬في‮ ‬أكتوبر‮ ‬أمام‮ ‬خريطة‮ ‬سياسية‮ ‬جديدة‮ ‬ستفرز‮ ‬حكومة‮ ‬جديدة‮ ‬خارجة‮ ‬من‮ ‬صناديق‮ ‬الاقتراع‮.‬
أما‮ ‬في‮ ‬حالة‮ ‬حدوث‮ ‬السيناريو‮ ‬الأسوأ،‮ ‬وهو‮ ‬بقاء‮ ‬حكومة‮ ‬عباس‮ ‬الفاسي،‮ ‬لا‮ ‬قدر‮ ‬الله،‮ ‬بعد‮ ‬تبني‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد،‮ ‬فإن‮ ‬هذه‮ ‬الحكومة‮ ‬ستكون‮ ‬معرضة‮ ‬لتلقي‮ ‬ملتمسات‮ ‬الرقابة‮ ‬بسبب‮ ‬لا‮ ‬دستوريتها‮. ‬وهذا‮ ‬سيعمق‮ ‬الأزمة‮ ‬السياسية‮ ‬في‮ ‬المغرب‮ ‬ويزيد‮ ‬من‮ ‬الاحتقان‮ ‬الشعبي‮ ‬بسبب‮ ‬وصول‮ ‬شعبية‮ ‬عباس‮ ‬وحكومته‮ ‬إلى‮ ‬الحضيض‮. ‬
هذا‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق‮ ‬بحل‮ ‬الحكومة‮ ‬والبرلمان،‮ ‬وهو‮ ‬أحد‮ ‬المطالب‮ ‬الأساسية‮ ‬الذي‮ ‬تتشبث‮ ‬به‮ ‬حركة‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬وقررت‮ ‬من‮ ‬أجله‮ ‬الاستمرار‮ ‬في‮ ‬النزول‮ ‬إلى‮ ‬الشارع‮. ‬أما‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬تعلق‮ ‬بمطلب‮ ‬الملكية‮ ‬البرلمانية‮ ‬فهو‮ ‬مطلب‮ ‬تشترك‮ ‬فيه‮ ‬الحركة‮ ‬مع‮ ‬القوى‮ ‬السياسية‮ ‬التي‮ ‬قدمت‮ ‬بعض‮ ‬أحزابها‮ ‬مذكرات‮ ‬بهذا‮ ‬الخصوص‮ ‬حتى‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬يولد‮ ‬أغلب‮ ‬شباب‮ ‬الحركة،‮ ‬وأيام‮ ‬كان‮ ‬التعبير‮ ‬عن‮ ‬الرأي‮ ‬المخالف‮ ‬يقود‮ ‬صاحبه‮ ‬إلى‮ ‬مخافر‮ ‬التعذيب‮ ‬وأقبية‮ ‬الاعتقال‮.‬
أما‮ ‬مطلب‮ ‬محاسبة‮ ‬المفسدين‮ ‬والتوزيع‮ ‬العادل‮ ‬للثروة‮ ‬والحق‮ ‬في‮ ‬السكن‮ ‬والشغل‮ ‬والصحة‮ ‬والعدالة،‮ ‬فكلها‮ ‬مطالب‮ ‬تشترك‮ ‬فيها‮ ‬الحركة‮ ‬مع‮ ‬الأغلبية‮ ‬الساحقة‮ ‬للمغاربة‮. ‬ولذلك،‮ ‬فمن‮ ‬حقها‮ ‬أن‮ ‬تعبر‮ ‬عن‮ ‬مطالبها،‮ ‬سواء‮ ‬تلك‮ ‬التي‮ ‬تعنيها‮ ‬وتعني‮ ‬الفئة‮ ‬التي‮ ‬تمثلها‮ ‬أو‮ ‬تلك‮ ‬التي‮ ‬تعني‮ ‬أغلبية‮ ‬الشعب‮ ‬المغربي،‮ ‬بطريقة‮ ‬حضارية‮ ‬وسلمية‮ ‬بدون‮ ‬أن‮ ‬تتعرض‮ ‬للتعنيف‮ ‬والتضييق‮ ‬والاستفزاز‮.‬
هناك‮ ‬اليوم‮ ‬موقفان‮ ‬يقسمان‮ ‬الرأي‮ ‬العام‮ ‬المغربي‮: ‬موقف‮ ‬يقول‮ ‬بعدم‮ ‬وجود‮ ‬ضمانات‮ ‬لإخراج‮ ‬دستور‮ ‬ديمقراطي‮ ‬يفضي‮ ‬إلى‮ ‬الملكية‮ ‬البرلمانية‮ ‬بسبب‮ ‬وجود‮ ‬أشخاص‮ ‬محافظين‮ ‬في‮ ‬اللجنة‮ ‬المكلفة‮ ‬بإعداد‮ ‬الدستور،‮ ‬وموقف‮ ‬آخر‮ ‬يقول‮ ‬بضرورة‮ ‬إعطاء‮ ‬الوقت‮ ‬لهذه‮ ‬اللجنة‮ ‬لتقديم‮ ‬اقتراحها‮ ‬إلى‮ ‬الشعب‮ ‬لكي‮ ‬يناقشه‮ ‬ويعطي‮ ‬رأيه‮ ‬فيه‮ ‬بدون‮ ‬وصاية‮ ‬من‮ ‬أحد‮.‬
أولا،‮ ‬عندما‮ ‬نقول‮ ‬إن‮ ‬هناك‮ ‬أعضاء‮ ‬محافظين‮ ‬داخل‮ ‬اللجنة‮ ‬ولديهم‮ «‬سوابق‮» ‬في‮ ‬الاشتغال‮ ‬مع‮ ‬الدولة،‮ ‬علما‮ ‬بأن‮ ‬الدولة‮ ‬المغربية‮ ‬ليست‮ ‬هي‮ ‬إسرائيل‮ ‬والاشتغال‮ ‬معها‮ ‬ليس‮ ‬جريمة،‮ ‬فهذا‮ ‬يشكل‮ ‬حكما‮ ‬مسبقا‮ ‬على‮ ‬بقية‮ ‬أفراد‮ ‬اللجنة‮ ‬المشهود‮ ‬لهم،‮ ‬حسب‮ ‬القائلين‮ ‬بهذا‮ ‬الرأي،‮ ‬بالاستقلالية،‮ ‬ويضعهم‮ ‬في‮ ‬خانة‮ ‬الأعضاء‮ ‬الذين‮ ‬سيسهل‮ ‬استعمالهم‮ ‬وقيادتهم‮.‬
هل‮ ‬سيقبل‮ ‬الأستاذ‮ ‬عبد‮ ‬الله‮ ‬ساعف‮ ‬أن‮ ‬يتم‮ ‬استعماله،‮ ‬مثلا؟‮ ‬إنني‮ ‬مقتنع‮ ‬بأن‮ ‬ساعف‮ ‬سيقدم‮ ‬استقالته‮ ‬من‮ ‬اللجنة‮ ‬بمجرد‮ ‬ما‮ ‬سيشعر‮ ‬بأنه‮ ‬يشتغل‮ ‬مع‮ ‬أشخاص‮ ‬مسيرين‮ ‬عن‮ ‬بعد‮. ‬والواقع‮ ‬أن‮ ‬كل‮ ‬من‮ ‬شعر‮ ‬بهذا‮ ‬الإحساس‮ ‬داخل‮ ‬اللجنة‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬لديه‮ ‬الجرأة‮ ‬السياسية‮ ‬والأخلاقية‮ ‬لكي‮ ‬يصفق‮ ‬الباب‮ ‬خلفه‮ ‬ويغادر‮ ‬اللجنة‮ ‬بلا‮ ‬ندم،‮ ‬لأن‮ ‬الأمر‮ ‬لا‮ ‬يتعلق‮ ‬بالتفكير‮ ‬في‮ ‬مخرج‮ ‬من‮ ‬مأزق‮ ‬سياسي‮ ‬ظرفي‮ ‬وإنما‮ ‬يتعلق‮ ‬بكتابة‮ ‬دستور‮ ‬سيحدد‮ ‬العلاقة‮ ‬بين‮ ‬الحاكم‮ ‬والمحكوم‮ ‬ويضع‮ ‬لكل‮ ‬واحد‮ ‬منهما‮ ‬حدودا‮ ‬لسلطاته‮ ‬واختصاصاته‮.  ‬
إن‮ ‬الديمقراطية‮ ‬تقتضي‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬لهذين‮ ‬الرأيين‮ ‬إمكانيات‮ ‬التعبير‮ ‬عن‮ ‬نفسهما‮ ‬بكل‮ ‬حرية،‮ ‬دون‮ ‬مصادرة‮ ‬أي‮ ‬واحد‮ ‬منهما‮ ‬لحق‮ ‬الآخر‮ ‬في‮ ‬الوجود‮ ‬والتعبير‮. ‬لذلك،‮ ‬فاللجوء‮ ‬إلى‮ ‬الهراوات‮ ‬واستعراض‮ ‬العضلات‮ ‬ضد‮ ‬المحتجين‮ ‬والصحافيين‮ ‬وارتداء‮ ‬القمصان‮ ‬الواقية‮ ‬من‮ ‬الرصاص،‮ ‬للتصدي‮ ‬لمجرد‮ ‬رأي،‮ ‬يعكس‮ ‬في‮ ‬الواقع‮ ‬تخلف‮ ‬العقل‮ ‬الأمني‮ ‬وعدم‮ ‬قدرته‮ ‬على‮ ‬مسايرة‮ ‬الإيقاع‮ ‬الذي‮ ‬وضعه‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬الأخير‮.‬
كما‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬اللجوء‮ ‬العبثي‮ ‬إلى‮ ‬القوة،‮ ‬ضد‮ ‬حرية‮ ‬التعبير‮ ‬عن‮ ‬الرأي‮ ‬المخالف،‮ ‬يعكس‮ ‬وجود‮ ‬قوى‮ ‬خفية‮ ‬داخل‮ ‬أجهزة‮ ‬الدولة‮ ‬تتعهد‮ ‬بالرعاية‮ ‬عقلية‮ ‬عتيقة‮ ‬تريد‮ ‬أن‮ ‬تستمر‮ ‬في‮ ‬ممارسة‮ ‬الترهيب‮ ‬على‮ ‬المواطنين‮ ‬الذين‮ ‬يخالفونها‮ ‬الرأي‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬ثنيهم‮ ‬عن‮ ‬الجهر‮ ‬بآرائهم‮. ‬
هذه‮ ‬العقليات‮ ‬الأمنية‮ ‬المتجاوزة،‮ ‬التي‮ ‬تعشش‮ ‬في‮ ‬وزارة‮ ‬الداخلية‮ ‬والتي‮ ‬ورثتها‮ ‬الدولة‮ ‬من‮ ‬عهد‮ ‬إدريس‮ ‬البصري،‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تفهم‮ ‬أن‮ ‬مغرب‮ ‬ما‮ ‬بعد‮ ‬التاسع‮ ‬من‮ ‬مارس‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬يقبل‮ ‬بإشهار‮ ‬الهراوة‮ ‬في‮ ‬وجه‮ ‬الرأي‮ ‬حتى‮ ‬ولو‮ ‬كان‮ ‬مخالفا‮ ‬لرأي‮ ‬الملك‮. ‬
ولذلك،‮ ‬فإن‮ ‬الهراوة‮ ‬لم‮ ‬تعد‮ ‬هي‮ ‬الحل‮ ‬لمحاورة‮ ‬أصحاب‮ ‬الرأي‮ ‬المخالف‮. ‬الحل‮ ‬يبدأ‮ ‬بتحرير‮ ‬وسائل‮ ‬الإعلام‮ ‬العمومية‮ ‬من‮ ‬سلاسل‮ ‬الجهل‮ ‬والخوف‮ ‬والتعتيم،‮ ‬وإعطاء‮ ‬الكلمة‮ ‬للجميع‮ ‬بالتساوي‮ ‬لكي‮ ‬يتحدثوا‮ ‬أمام‮ ‬المغاربة‮ ‬ويقارعوا‮ ‬أفكار‮ ‬بعضهم‮ ‬البعض،‮ ‬حتى‮ ‬يستطيع‮ ‬الشعب‮ ‬أن‮ ‬يختار‮ ‬أي‮ ‬الأفكار‮ ‬أقرب‮ ‬إليه‮ ‬وأي‮ ‬المواقف‮ ‬أنسب‮ ‬للتبني‮. ‬
عندما‮ ‬سيتحرر‮ ‬الإعلام‮ ‬العمومي‮ ‬من‮ ‬قيوده‮ ‬الثقيلة‮ ‬ويفتح‮ ‬أبوابه‮ ‬لاستقبال‮ ‬الفاعلين‮ ‬السياسيين‮ ‬والحقوقيين‮ ‬والشباب،‮ ‬بيسارييهم‮ ‬وإسلامييهم‮ ‬ويمينييهم،‮ ‬لمناقشة‮ ‬أفكارهم‮ ‬ومواقفهم‮ ‬بحرية‮ ‬أمام‮ ‬المغاربة،‮ ‬سيفهم‮ ‬هؤلاء‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬مكانا‮ ‬غير‮ ‬الشارع‮ ‬للتعبير‮ ‬عن‮ ‬الرأي‮. ‬
أما‮ ‬عندما‮ ‬يصم‮ ‬هذا‮ ‬الإعلام‮ ‬العمومي‮ ‬آذانه‮ ‬عن‮ ‬سماع‮ ‬شعارات‮ ‬ومطالب‮ ‬المحتجين،‮ ‬فلا‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬نلوم‮ ‬هؤلاء‮ ‬المحتجين‮ ‬على‮ ‬اختيارهم‮ ‬الشارع‮ ‬مكانا‮ ‬للتعبير‮. ‬
‮«‬اللي‮ ‬عندو‮ ‬باب‮ ‬واحد‮ ‬الله‮ ‬يسدو‮ ‬عليه‮». ‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق