الجمعة، 18 مارس 2011

المخطط الجهنمي


في‮ ‬الوقت‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬فيه‮ ‬الملك‮ ‬يوجه‮ ‬خطابه‮ ‬إلى‮ ‬الشعب‮ ‬مساء‮ ‬التاسع‮ ‬من‮ ‬مارس‮ ‬الماضي،‮ ‬كان‮ ‬وزير‮ ‬الداخلية‮ ‬يعمم‮ ‬مذكرة‮ ‬سرية‮ ‬على‮ ‬جميع‮ ‬ولاة‮ ‬الأمن‮ ‬بالمملكة‮ ‬يحثهم‮ ‬فيها‮ ‬على‮ ‬تفكيك‮ ‬الوقفات‮ ‬الاحتجاجية‮ ‬بالقوة‮. ‬
واضح‮ ‬أن‮ ‬جيوب‮ ‬مقاومة‮ ‬التغيير‮ ‬لن‮ ‬تقف‮ ‬مكتوفة‮ ‬الأيدي‮ ‬وهي‮ ‬ترى‮ ‬مصالحها‮ ‬وامتيازاتها‮ ‬الشخصية‮ ‬مهددة‮ ‬بهذا‮ ‬الانحياز‮ ‬الملكي‮ ‬إلى‮ ‬جهة‮ ‬الشعب‮ ‬ومطالبه‮. ‬ولعل‮ ‬إحساس‮ ‬هذه‮ «‬الجيوب‮»‬،‮ ‬التي‮ ‬انتفخت‮ ‬بالأموال‮ ‬والامتيازات،‮ ‬بقرب‮ ‬فقدانها‮ ‬لقلاعها‮ ‬المحروسة‮ ‬التي‮ ‬أمنت‮ ‬مياهها‮ ‬الإقليمية‮ ‬باستعمالها‮ ‬المفرط‮ ‬لاسم‮ ‬الملك‮ ‬وصداقته‮ ‬والقرب‮ ‬منه،‮ ‬جعلها‮ ‬تلجأ‮ ‬إلى‮ ‬سياسة‮ «‬الأرض‮ ‬المحروقة‮» ‬لخلق‮ ‬البلبلة‮ ‬والتشويش‮ ‬على‮ ‬المسار‮ ‬الذي‮ ‬اختاره‮ ‬الملك،‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬إفشال‮ ‬مشروع‮ ‬التغيير‮ ‬وقتله‮ ‬في‮ ‬مهده‮. ‬
والنتيجة‮ ‬هي‮ ‬ما‮ ‬شاهدناه‮ ‬في‮ ‬نشرات‮ ‬أخبار‮ ‬القنوات‮ ‬الدولية‮ ‬طيلة‮ ‬الأيام‮ ‬الأخيرة،‮ ‬مباشرة‮ ‬بعد‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬الذي‮ ‬أثنى‮ ‬عليه‮ ‬الاتحاد‮ ‬الأوربي‮ ‬والخارجية‮ ‬الأمريكية‮. ‬صور‮ ‬مخجلة‮ ‬لعناصر‮ ‬من‮ ‬فرق‮ ‬التدخل‮ ‬السريع‮ ‬والأمن،‮ ‬مجهزة‮ ‬بالقمصان‮ ‬الواقية‮ ‬من‮ ‬الرصاص،‮ ‬تتدخل‮ ‬بهمجية‮ ‬لتفريق‮ ‬وقفة‮ ‬احتجاجية‮ ‬سلمية‮ ‬لبضع‮ ‬عشرات‮ ‬من‮ ‬المواطنين‮.‬
ولعل‮ ‬المخطط،‮ ‬الذي‮ ‬تحبكه‮ ‬جيوب‮ ‬مقاومة‮ ‬التغيير‮ ‬داخل‮ ‬الدولة،‮ ‬يقوم‮ ‬على‮ ‬خلق‮ ‬حالة‮ ‬من‮ ‬الارتباك‮ ‬عن‮ ‬طريق‮ ‬استعمال‮ ‬العنف‮ ‬بإفراط‮ ‬ضد‮ ‬الوقفات‮ ‬الاحتجاجية‮ ‬وضد‮ ‬الصحافيين‮. ‬أولا،‮ ‬لزرع‮ ‬بذور‮ ‬الشك‮ ‬وانعدام‮ ‬الثقة‮ ‬بين‮ ‬الشعب‮ ‬والخطاب‮ ‬الرسمي‮ ‬في‮ ‬أذهان‮ ‬الرأي‮ ‬العام‮. ‬وثانيا،‮ ‬لدفع‮ ‬وسائل‮ ‬الإعلام‮ ‬ضحية‮ ‬الاعتداءات‮ ‬إلى‮ ‬تبني‮ ‬مواقف‮ ‬راديكالية‮ ‬ضد‮ ‬الدولة‮. ‬
ولعل‮ ‬المؤسسة‮ ‬الوحيدة‮ ‬التي‮ ‬تستطيع‮ ‬تنفيذ‮ ‬هذا‮ ‬المخطط‮ ‬الجهنمي،‮ ‬الذي‮ ‬يصب‮ ‬في‮ ‬مصلحة‮ ‬حفنة‮ ‬من‮ ‬الانتهازيين،‮ ‬هي‮ ‬وزارة‮ ‬الداخلية‮. ‬
لذلك،‮ ‬فلإنجاح‮ ‬مشروع‮ ‬الملك‮ ‬الإصلاحي‮ ‬يجب،‮ ‬أولا،‮ ‬تطهير‮ ‬هذه‮ ‬الوزارة‮ ‬من‮ ‬جيوب‮ ‬المقاومة،‮ ‬فالكل‮ ‬يعرف‮ ‬أن‮ ‬وزير‮ ‬الداخلية‮ ‬الحقيقي‮ ‬ليس‮ ‬هو‮ ‬الطيب‮ ‬الشرقاوي‮ ‬وإنما‮ ‬هو‮ ‬فؤاد‮ ‬عالي‮ ‬الهمة،‮ ‬مؤسس‮ ‬حزب‮ ‬الأصالة‮ ‬والمعاصرة‮ ‬الذي‮ ‬طالب‮ ‬المحتجون‮ ‬بحله‮. ‬
ومنذ‮ ‬أن‮ ‬رفض‮ ‬شكيب‮ ‬بنموسى‮ ‬الانصياع‮ ‬لأوامر‮ ‬الهمة‮ ‬خلال‮ ‬الانتخابات‮ ‬الأخيرة‮ ‬وأشهر‮ ‬في‮ ‬وجهه‮ ‬الفصل‮ ‬الخامس‮ ‬حول‮ ‬الترحال‮ ‬البرلماني،‮ ‬رأى‮ ‬الجميع‮ ‬كيف‮ ‬صفى‮ ‬الهمة‮ ‬حسابه‮ ‬مع‮ ‬هذا‮ ‬الأخير‮ ‬عندما‮ ‬عزل‮ ‬واليه‮ ‬بمراكش،‮ ‬منير‮ ‬الشرايبي،‮ ‬الذي‮ ‬تجرأ‮ ‬وسمح‮ ‬بالطعن‮ ‬في‮ ‬نجاح‮ ‬فاطمة‮ ‬الزهراء‮ ‬المنصوري‮ ‬وإعادة‮ ‬الانتخابات‮ ‬من‮ ‬جديد‮. ‬
مباشرة‮ ‬بعد‮ ‬سطوه‮ ‬على‮ ‬مدن‮ ‬وجهات‮ ‬بكاملها،‮ ‬تفرغ‮ ‬الهمة‮ ‬للإطاحة‮ ‬برأس‮ ‬شكيب‮ ‬بنموسى‮ ‬من‮ ‬وزارة‮ ‬الداخلية‮ ‬ووضع‮ ‬وزيرا‮ ‬بدون‮ ‬شخصية،‮ ‬اسمه‮ ‬الطيب‮ ‬الشرقاوي،‮ ‬جل‮ ‬اهتمامه‮ ‬منصبٌّ‮ ‬حول‮ ‬البحث‮ ‬عن‮ «‬الهمزات‮» ‬العقارية‮ ‬في‮ ‬ضواحي‮ ‬المدن‮ ‬والقرى،‮ ‬عوض‮ ‬الاهتمام‮ ‬بملفات‮ ‬وزارة‮ ‬تعتبر‮ ‬من‮ ‬أهم‮ ‬الوزارات‮ ‬بالنسبة‮ ‬إلى‮ ‬الأمن‮ ‬العام‮ ‬والاستقرار‮ ‬السياسي‮ ‬والاجتماعي‮.‬
وبما‮ ‬أن‮ ‬نقطة‮ ‬ضعف‮ ‬الطيب‮ ‬الشرقاوي‮ ‬هي‮ ‬حيازة‮ ‬الضيعات‮ ‬والأراضي‮ ‬الفلاحية،‮ ‬فقد‮ ‬تفرغ‮ ‬لهذه‮ «‬الهواية‮»‬،‮ ‬تاركا‮ ‬إدارة‮ ‬الملفات‮ ‬الأمنية‮ ‬والسياسية‮ ‬والاجتماعية‮ ‬الكبرى‮ ‬في‮ ‬يد‮ ‬الهمة‮ ‬وأعوانه‮. ‬
آخر‮ ‬هذه‮ ‬الضيعات‮ ‬التي‮ «‬يجمعها‮» ‬الوزير‮ ‬كانت‮ ‬ضيعة‮ ‬تكفل‮ ‬عامل‮ ‬عمالة‮ ‬إقليم‮ ‬ابن‮ ‬سليمان‮ ‬السابق‮ ‬محمد‮ ‬فطاح‮ ‬بتزويدها‮ ‬بأجهزة‮ ‬كهربائية‮ ‬من‮ ‬ميزانية‮ ‬العمالة،‮ ‬وتم‮ ‬تثبيت‮ ‬هذه‮ ‬الأجهزة‮ ‬بضيعة‮ ‬الوزير‮ ‬الواقعة‮ ‬بدوار‮ ‬الكدية‮ ‬التابع‮ ‬لتراب‮ ‬جماعة‮ ‬قروية‮ ‬تدعى‮ ‬عين‮ ‬تيزغة‮ ‬يرأسها‮ ‬الاستقلالي‮ ‬أحمد‮ ‬الداهي،‮ ‬الرئيس‮ ‬السابق‮ ‬للمجلس‮ ‬الإقليمي‮ ‬ابن‮ ‬سليمان،‮ ‬وهو‮ ‬شقيق‮ ‬خليل‮ ‬الداهي‮ ‬الذي‮ ‬يرأس‮ ‬حاليا‮ ‬بلدية‮ ‬المدينة‮ ‬نفسها‮ ‬عن‮ ‬حزب‮ ‬الاستقلال‮. ‬
وفي‮ ‬الوقت‮ ‬الذي‮ ‬تفرغ‮ ‬فيه‮ ‬الهمة‮ ‬لتوظيف‮ ‬وزارة‮ ‬الداخلية‮ ‬لتصفية‮ ‬حساباته‮ ‬السياسية‮ ‬والشخصية،‮ ‬تفرغ‮ ‬الطيب‮ ‬الشرقاوي‮ ‬لتوظيف‮ ‬معارفه‮ ‬وأقاربه‮ ‬في‮ ‬المصالح‮ ‬التابعة‮ ‬له‮.‬
وهكذا،‮ ‬وظف‮ ‬الطيب‮ ‬الشرقاوي‮ ‬زوج‮ ‬ابنته‮ ‬في‮ ‬وزارة‮ ‬الداخلية‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬كان‮ ‬يشتغل‮ ‬في‮ ‬قطاع‮ ‬الفندقة‮. ‬كما‮ ‬رقى‮ ‬زوج‮ ‬أخته‮ ‬بعمالة‮ ‬المحمدية‮ ‬ترقية‮ ‬صاروخية‮. ‬أما‮ ‬ابنه‮ ‬المحامي،‮ ‬فمنذ‮ ‬تولي‮ ‬والده‮ ‬حقيبة‮ ‬الداخلية‮ ‬وهو‮ ‬يحصل‮ ‬على‮ ‬صفقات‮ ‬الترافع‮ ‬لصالح‮ ‬البنوك‮ ‬الكبرى،‮ ‬كصفقة‮ «‬التجاري‮ ‬وفا‮ ‬بنك‮» ‬التي‮ ‬حصل‮ ‬عليها‮ ‬مؤخرا‮. ‬
وهكذا،‮ ‬ترك‮ ‬الشرقاوي‮ ‬الداخلية‮ ‬في‮ ‬يد‮ ‬الهمة‮. ‬وقد‮ ‬رأينا‮ ‬جميعا‮ ‬كيف‮ ‬احترقت‮ ‬العيون‮ ‬بسبب‮ ‬نزوات‮ ‬هذا‮ ‬الرجل‮ ‬الذي‮ ‬أراد‮ ‬أن‮ ‬يعيد‮ ‬فيها‮ ‬تكرار‮ ‬ما‮ ‬فعله‮ ‬في‮ ‬مراكش‮ ‬ووجدة‮ ‬والدار‮ ‬البيضاء‮ ‬والرباط‮ ‬من‮ ‬شطط‮ ‬انتخابي،‮ ‬فكانت‮ ‬النتيجة‮ ‬كارثة‮ ‬حقيقية‮ ‬كلفت‮ ‬المغرب‮ ‬فاتورة‮ ‬باهظة‮ ‬على‮ ‬المستويين‮ ‬المحلي‮ ‬والدولي‮. ‬
ورأينا‮ ‬مثالا‮ ‬واضحا‮ ‬للعبث‮ ‬بقرارات‮ ‬وزارة‮ ‬الداخلية‮ ‬عندما‮ ‬اندلعت‮ ‬أحداث‮ ‬شغب‮ ‬في‮ ‬الحسيمة‮ ‬بسبب‮ ‬مشكل‮ ‬اجتماعي‮ ‬عادي،‮ ‬فأعطى‮ ‬الهمة‮ ‬أوامره‮ ‬لوزير‮ ‬الداخلية‮ ‬بإطلاق‮ ‬سراح‮ ‬جميع‮ ‬المعتقلين،‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬إظهار‮ ‬مدى‮ ‬النفوذ‮ ‬الذي‮ «‬يتمتع‮» ‬به‮ ‬إلياس‮ ‬العماري‮ ‬لأبناء‮ ‬الريف،‮ ‬مع‮ ‬أن‮ ‬مواطنين‮ ‬يحملون‮ ‬نفس‮ ‬بطاقات‮ ‬التعريف‮ ‬الوطنية‮ ‬تم‮ ‬اعتقالهم‮ ‬في‮ ‬الدار‮ ‬البيضاء‮ ‬والمحمدية‮ ‬بعدما‮ ‬احتجوا‮ ‬على‮ ‬تأخر‮ ‬السلطات‮ ‬في‮ ‬مساعدتهم‮ ‬بعد‮ ‬الفيضانات‮ ‬الأخيرة،‮ ‬فكان‮ ‬مصيرهم‮ ‬السجن‮ ‬والمحاكمة،‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬تبرئهم‮ ‬المحكمة‮ ‬أياما‮ ‬قليلة‮ ‬قبل‮ ‬مسيرات‮ ‬20‮ ‬فبراير‮. ‬
بكلمة‮ ‬واحدة،‮ ‬إننا‮ ‬نفتقر‮ ‬اليوم‮ ‬إلى‮ ‬وزير‮ ‬داخلية‮ ‬حقيقي‮ ‬يستطيع‮ ‬أن‮ ‬يجعل‮ ‬مصالح‮ ‬وزارته‮ ‬في‮ ‬خدمة‮ ‬المشروع‮ ‬الإصلاحي‮ ‬للملك،‮ ‬ويحمي‮ ‬مصالح‮ ‬وزارة‮ ‬الداخلية‮ ‬من‮ ‬السقوط‮ ‬بين‮ ‬أيدي‮ ‬جيوب‮ ‬مقاومة‮ ‬الإصلاح‮ ‬التي‮ ‬تبحث‮ ‬بكل‮ ‬الوسائل‮ ‬عن‮ ‬استخدام‮ ‬القوة‮ ‬الضاربة‮ ‬للداخلية‮ ‬في‮ ‬خلط‮ ‬الأوراق‮ ‬وجعل‮ ‬مهمة‮ ‬الإصلاح‮ ‬صعبة،‮ ‬إن‮ ‬لم‮ ‬نقل‮ ‬مستحيلة‮.‬
ومنذ‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬الأخير،‮ ‬بدأ‮ ‬الهمة‮ ‬يشعر‮ ‬بالعزلة،‮ ‬مما‮ ‬جعله‮ ‬يتحرك‮ ‬سريعا‮ ‬على‮ ‬الواجهتين‮ ‬السياسية‮ ‬والأمنية‮ ‬كلتيهما‮. ‬فقد‮ ‬أرسل،‮ ‬من‮ ‬جهة،‮ ‬تابعه‮ ‬إلياس‮ ‬العماري‮ ‬لمجالسة‮ ‬عباس‮ ‬الفاسي‮ ‬لكي‮ ‬يطفئ‮ ‬غضب‮ ‬حزب‮ ‬الاستقلال،‮ ‬وأرسله‮ ‬للجلوس‮ ‬مع‮ ‬بنكيران‮ ‬لإطفاء‮ ‬غضب‮ ‬العدالة‮ ‬والتنمية‮. ‬وفي‮ ‬المقابل،‮ ‬دفع‮ ‬الطيب‮ ‬الشرقاوي‮ ‬إلى‮ ‬مراسلة‮ ‬ولاته‮ ‬وعماله‮ ‬لحثهم‮ ‬على‮ ‬استعمال‮ ‬القوة‮ ‬في‮ ‬فك‮ ‬التظاهرات‮ ‬والوقفات‮ ‬الاحتجاجية‮.‬
والهدف‮ ‬الحقيقي‮ ‬من‮ ‬وراء‮ ‬كل‮ ‬هذه‮ ‬التحركات‮ ‬السرية‮ ‬والعلنية‮ ‬لخندق‮ ‬الهمة‮ ‬هو‮ ‬الرغبة‮ ‬في‮ ‬الإبقاء‮ ‬على‮ ‬شبكة‮ ‬المصالح‮ ‬والعلاقات‮ ‬والامتيازات‮ ‬التي‮ ‬نسجها‮ ‬طيلة‮ ‬العشر‮ ‬سنوات‮ ‬الأخيرة،‮ ‬وأصبح‮ ‬بفضلها‮ ‬يضع‮ ‬يده‮ ‬على‮ ‬سائر‮ ‬مناحي‮ ‬الحياة‮ ‬السياسية‮ ‬والاقتصادية‮ ‬والاجتماعية‮.‬
لقد‮ ‬أصبح‮ ‬واضحا‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬جيوبا‮ ‬لمقاومة‮ ‬التغيير‮ ‬الإصلاحي‮ ‬الذي‮ ‬جاء‮ ‬به‮ ‬الملك‮ ‬حتى‮ ‬من‮ ‬داخل‮ ‬المربع‮ ‬الملكي‮. ‬وقد‮ ‬شعر‮ ‬هؤلاء،‮ ‬بعد‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬الأخير،‮ ‬بأن‮ ‬الملك‮ «‬ساسهم‮»‬،‮ ‬كما‮ ‬يقول‮ ‬المغاربة،‮ ‬وانحاز‮ ‬إلى‮ ‬جهة‮ ‬الشعب‮. ‬وبما‮ ‬أن‮ ‬هؤلاء‮ ‬الناس‮ ‬لديهم‮ «‬رجال‮ ‬مقاومتهم‮» ‬فإنهم‮ ‬ليسوا‮ ‬مستعدين‮ ‬للاستسلام‮ ‬بهذه‮ ‬السهولة‮ ‬لرياح‮ ‬التغيير‮ ‬التي‮ ‬بدأت‮ ‬تهب‮ ‬على‮ ‬قلاعهم‮ ‬المحروسة‮.‬
هناك،‮ ‬إذن،‮ ‬من‮ ‬يبحث‮ ‬بكل‮ ‬الوسائل‮ ‬عن‮ ‬إشعال‮ ‬فتيل‮ ‬حرب‮ ‬شوارع‮ ‬مفتوحة‮ ‬بين‮ ‬الدولة‮ ‬وحركة‮ ‬العدل‮ ‬والإحسان،‮ ‬بحكم‮ ‬أنها‮ ‬تشكل‮ ‬القوة‮ ‬العددية‮ ‬المشكلة‮ ‬لحركة‮ ‬20‮ ‬فبراير،‮ ‬عوض‮ ‬الجلوس‮ ‬إلى‮ ‬طاولة‮ ‬المفاوضات‮ ‬وإيجاد‮ ‬صيغ‮ ‬وأشكال‮ ‬للتعامل‮ ‬القانوني‮ ‬مع‮ ‬هذه‮ ‬الحركة‮.‬
ومن‮ ‬خلال‮ ‬ما‮ ‬حدث‮ ‬مؤخرا،‮ ‬نستنتج‮ ‬أن‮ ‬الدولة‮ ‬لا‮ ‬زالت،‮ ‬رغم‮ ‬الخطاب‮ ‬الثوري‮ ‬للملك،‮ ‬تتعامل‮ ‬بأساليب‮ ‬متجاوزة‮ ‬مع‮ ‬من‮ ‬يخالفها‮ ‬الرأي،‮ ‬فقد‮ ‬سارعت،‮ ‬عبر‮ ‬وسائل‮ ‬الإعلام‮ ‬الرسمية،‮ ‬إلى‮ ‬تعميم‮ ‬خبر‮ ‬اعتقال‮ ‬خلية‮ ‬إرهابية‮ ‬في‮ ‬إيطاليا‮ ‬كانت‮ ‬تخطط‮ ‬لاغتيال‮ ‬البابا،‮ ‬وربطت‮ ‬بين‮ ‬الخلية‮ ‬وجماعة‮ ‬العدل‮ ‬والإحسان‮. ‬واليوم،‮ ‬نرى‮ ‬كيف‮ ‬يتم‮ ‬تحميل‮ ‬العدل‮ ‬والإحسان‮ ‬مسؤولية‮ ‬العنف‮ ‬والتدمير‮ ‬الذي‮ ‬حدث‮ ‬في‮ ‬خريبكة،‮ ‬وبالضبط‮ ‬ضد‮ ‬مؤسسة‮ ‬المكتب‮ ‬الشريف‮ ‬للفوسفاط‮ ‬التي‮ ‬تعتبر‮ ‬الجهاز‮ ‬العصبي‮ ‬المركزي‮ ‬لاقتصاد‮ ‬البلاد‮.‬
إن‮ ‬التدبير‮ ‬الأمني‮ ‬المتشنج‮ ‬لاعتصام‮ ‬عادي‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬المطالبة‮ ‬بالشغل،‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬أعلن‮ ‬فيه‮ ‬مصطفى‮ ‬الطراب‮ ‬عن‮ ‬بدء‮ ‬المكتب‮ ‬في‮ ‬تسجيل‮ ‬المرشحين‮ ‬للعمل،‮ ‬حيث‮ ‬سيبلغ‮ ‬عدد‮ ‬مناصب‮ ‬الشغل‮ ‬التي‮ ‬سيخلقها‮ ‬المكتب‮ ‬10‮ ‬آلاف،‮ ‬يهدف‮ ‬إلى‮ ‬ضرب‮ ‬عصفورين‮ ‬بحجر‮. ‬أولا،‮ ‬خلق‮ ‬حالة‮ ‬من‮ ‬الاحتقان‮ ‬الأمني‮ ‬في‮ ‬المملكة‮ ‬وتحميل‮ ‬العدل‮ ‬والإحسان‮ ‬مسؤولية‮ ‬ذلك‮. ‬وثانيا،‮ ‬وضع‮ ‬المزيد‮ ‬من‮ ‬العصي‮ ‬في‮ ‬عجلة‮ ‬المكتب‮ ‬الشريف‮ ‬للفوسفاط‮ ‬لتعقيد‮ ‬مهمة‮ ‬مصطفى‮ ‬الطراب‮ ‬الذي‮ ‬يبحث‮ ‬البعض‮ ‬عن‮ ‬الإطاحة‮ ‬برأسه‮ ‬بأي‮ ‬ثمن‮.    ‬
إن‮ ‬ما‮ ‬يحدث‮ ‬الآن‮ ‬هو‮ ‬محاولة‮ ‬لضرب‮ ‬أحد‮ ‬أهم‮ ‬الأسس‮ ‬التي‮ ‬بنت‮ ‬عليها‮ ‬العدل‮ ‬والإحسان‮ ‬وجودها،‮ ‬كونها‮ ‬حركة‮ ‬سلمية‮ ‬تنبذ‮ ‬العنف‮ ‬وترفض‮ ‬التعاملات‮ ‬الأجنبية‮ ‬والحركات‮ ‬الإرهابية‮. ‬
إن‮ ‬محاولة‮ ‬أجهزة‮ ‬الدولة‮ ‬الأمنية‮ ‬المسيرة‮ ‬من‮ ‬الخلف،‮ ‬بواسطة‮ ‬رجال‮ ‬عالي‮ ‬الهمة،‮ ‬خلق‮ ‬تصادم‮ ‬دموي‮ ‬مع‮ ‬العدل‮ ‬والإحسان،‮ ‬يعني‮ ‬المقامرة‮ ‬باستقرار‮ ‬المغرب‮ ‬وأمنه‮ ‬نزولا‮ ‬عند‮ ‬نزوة‮ ‬أشخاص‮ ‬واقعين‮ ‬تحت‮ ‬تأثير‮ ‬فكر‮ ‬انتهازي‮ ‬معجون‮ ‬ببقايا‮ ‬اليسار‮ ‬الراديكالي‮ ‬الذي‮ ‬يستعمل‮ ‬حزب‮ ‬الهمة‮ ‬ونفوذه‮ ‬في‮ ‬الداخلية‮ ‬لتصفية‮ ‬الوجود‮ ‬الإسلامي‮ ‬في‮ ‬المغرب‮. ‬
في‮ ‬السابق،‮ ‬كان‮ ‬ممكنا‮ ‬اعتقال‮ ‬أعضاء‮ ‬جماعة‮ ‬العدل‮ ‬والإحسان‮ ‬ومحاكمتهم‮ ‬ورميهم‮ ‬في‮ ‬السجون‮ ‬لمجرد‮ ‬عقدهم‮ ‬اجتماعا‮ ‬أو‮ ‬وقفة‮ ‬احتجاجية‮. ‬اليوم،‮ ‬بعدما‮ ‬رأينا‮ ‬كيف‮ ‬تسقط‮ ‬الأنظمة‮ ‬من‮ ‬حولنا‮ ‬مثل‮ ‬أوراق‮ ‬الخريف‮ ‬وكيف‮ ‬ينزل‮ ‬الشباب‮ ‬بالآلاف‮ ‬إلى‮ ‬الشوارع‮ ‬للمطالبة‮ ‬بالحق‮ ‬في‮ ‬الاختلاف‮ ‬وحرية‮ ‬التعبير‮ ‬والكرامة،‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬هذا‮ ‬الأمر‮ ‬ممكنا‮. ‬وهذا‮ ‬ما‮ ‬لا‮ ‬يريد‮ ‬هؤلاء‮ «‬المحافظون‮ ‬الجدد‮»‬،‮ ‬على‮ ‬مصالحهم،‮ ‬أن‮ ‬يفهموه‮ ‬أو‮ ‬أنهم‮ ‬فهموه‮ ‬جيدا‮ ‬ويريدون‮ ‬استعمال‮ ‬سياسة‮ ‬الأرض‮ ‬المحروقة‮ ‬عملا‮ ‬بمقولة‮ «‬علي‮ ‬وعلى‮ ‬أعدائي‮» ‬لإذكاء‮ ‬نيران‮ ‬الفتنة‮ ‬وتخويف‮ ‬أولياء‮ ‬نعمتهم‮ ‬من‮ ‬مغبة‮ ‬التخلي‮ ‬عنهم‮.‬
إنه‮ ‬نوع‮ ‬من‮ ‬أنواع‮ ‬اللعب،‮ ‬سوى‮ ‬أنه‮ ‬لعب‮ ‬بمصير‮ ‬الوطن‮ ‬ومستقبله‮. ‬وهذا‮ ‬ما‮ ‬لا‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يسمح‮ ‬به‮ ‬شرفاء‮ ‬هذا‮ ‬الوطن‮. ‬
لذلك‮ ‬فعلى‮ ‬الجميع،‮ ‬سواء‮ ‬داخل‮ ‬الدولة‮ ‬أو‮ ‬الهيئات‮ ‬السياسية‮ ‬والحقوقية‮ ‬والشبابية‮ ‬المشكلة‮ ‬لحركة‮ ‬20‮ ‬فبراير،‮ ‬استعادة‮ ‬هدوئهم‮ ‬والجلوس‮ ‬للتفكير‮ ‬مليا‮ ‬في‮ ‬صيغ‮ ‬للحوار‮ ‬العاقل‮ ‬والبناء،‮ ‬حماية‮ ‬لمصلحة‮ ‬الوطن‮ ‬العليا‮ ‬ودفاعا‮ ‬عن‮ ‬أمن‮ ‬أبنائه‮ ‬واستقراره‮ ‬لتفويت‮ ‬الفرصة‮ ‬على‮ ‬جيوب‮ ‬مقاومة‮ ‬التغيير‮ ‬وإفشال‮ ‬مخططهم‮ ‬الجهنمي‮.  ‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق