الثلاثاء، 15 مارس 2011

الكلمة للشعب

جميع‮ ‬الشعارات‮ ‬التي‮ ‬رفعتها‮ ‬الهيئات‮ ‬السياسية‮ ‬والحقوقية‮ ‬المشكلة‮ ‬لحركة‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬كانت‮ ‬مبنية‮ ‬على‮ ‬فكرة‮ ‬واحدة،‮ ‬وهي‮ ‬أن‮ «‬الشعب‮ ‬يريد‮». ‬طبعا،‮ ‬الشعب‮ ‬لم‮ ‬يأخذ‮ ‬أحد‮ ‬تفويضا‮ ‬منه‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬تمثيله‮ ‬والحديث‮ ‬باسمه‮. ‬لكن‮ ‬مع‮ ‬ذلك،‮ ‬الجميع‮ ‬يريد‮ ‬أن‮ ‬يتحدث‮ ‬باسمه‮ ‬ويضغط‮ ‬باسمه‮ ‬ويطالب‮ ‬باسمه،‮ ‬إلى‮ ‬أن‮ ‬جاء‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬وأعلن‮ ‬عن‮ ‬تغيير‮ ‬الدستور،‮ ‬وليس‮ ‬فقط‮ ‬تعديله‮ ‬كما‮ ‬كانت‮ ‬تطالب‮ ‬بذلك‮ ‬الهيئات‮ ‬السياسية‮ ‬والحقوقية‮ ‬المشكلة‮ ‬لحركة‮ ‬20‮ ‬فبراير،‮ ‬ووضع‮ ‬الشعب‮ ‬في‮ ‬قلب‮ ‬المعادلة‮ ‬عندما‮ ‬منحه‮ ‬حق‮ ‬التصويت‮ ‬على‮ ‬الدستور‮ ‬الذي‮ ‬يناسبه‮ ‬أكثر‮.‬
الذين‮ ‬خرجوا‮ ‬بعد‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬يقولون‮ ‬إن‮ ‬ما‮ ‬قاله‮ ‬الملك‮ ‬ليس‮ ‬سوى‮ ‬وعود،‮ ‬ولذلك‮ ‬يجب‮ ‬الاستمرار‮ ‬في‮ ‬النزول‮ ‬إلى‮ ‬الشارع‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬الضغط،‮ ‬والذين‮ ‬قالوا‮ ‬إن‮ ‬تعيين‮ ‬الملك‮ ‬لأعضاء‮ ‬اللجنة‮ ‬التي‮ ‬ستسهر‮ ‬على‮ ‬إعداد‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد‮ ‬يتنافى‮ ‬مع‮ ‬الديمقراطية،‮ ‬لأن‮ ‬اللجنة‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬منتخبة،‮ ‬يمارسون‮ ‬ببساطة‮ ‬وصاية‮ ‬غير‮ ‬مبررة‮ ‬على‮ ‬الشعب‮.‬
وهم‮ ‬عندما‮ ‬يقولون‮ ‬إن‮ ‬تعيين‮ ‬اللجنة‮ ‬من‮ ‬طرف‮ ‬الملك‮ ‬خطوة‮ ‬غير‮ ‬ديمقراطية،‮ ‬ينسون‮ ‬أن‮ ‬الملك‮ ‬قال‮ ‬أيضا‮ ‬إن‮ ‬هذه‮ ‬اللجنة‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تعمل‮ ‬بتشاور‮ ‬مع‮ ‬جميع‮ ‬الأحزاب‮ ‬والفعاليات‮ ‬الحقوقية‮ ‬والشبابية‮ ‬المؤهلة‮ ‬بدون‮ ‬استثناء‮ ‬أو‮ ‬تمييز‮.‬
وحتى‮ ‬عندما‮ ‬ستنتهي‮ ‬هذه‮ ‬اللجنة‮ ‬من‮ ‬إعداد‮ ‬بنود‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد،‮ ‬بتشاور‮ ‬مع‮ ‬الأحزاب‮ ‬والفعاليات‮ ‬الحقوقية‮ ‬والشباب،‮ ‬فإن‮ ‬الكلمة‮ ‬الفصل‮ ‬ستبقى،‮ ‬في‮ ‬نهاية‮ ‬المطاف،‮ ‬للشعب‮.‬
أليس‮ ‬أحد‮ ‬أهم‮ ‬مطالب‮ ‬كل‮ ‬الديمقراطيين‮ ‬في‮ ‬المغرب‮ ‬هو‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬سلطة‮ ‬القرار‮ ‬بيد‮ ‬الشعب‮. ‬عندما‮ ‬نعود‮ ‬إلى‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬الأخير،‮ ‬نستنتج‮ ‬أن‮ ‬الملك‮ ‬وضع‮ ‬قرار‮ ‬اختيار‮ ‬الدستور‮ ‬الذي‮ ‬يناسب‮ ‬المغاربة‮ ‬بين‮ ‬أيديهم‮. ‬إذا‮ ‬أعجبهم‮ ‬هذا‮ ‬الدستور‮ ‬يصوتون‮ ‬عليه‮ ‬بنعم،‮ ‬وإذا‮ ‬لم‮ ‬يعجبهم‮ ‬يصوتون‮ ‬ضده،‮ ‬وبالتالي‮ ‬يكون‮ ‬على‮ ‬هذه‮ ‬اللجنة،‮ ‬أو‮ ‬لجنة‮ ‬أخرى‮ ‬يطالب‮ ‬بها‮ ‬الشعب،‮ ‬أن‮ ‬تعيد‮ ‬كتابة‮ ‬دستور‮ ‬جديد‮ ‬يتم‮ ‬عرضه‮ ‬على‮ ‬الشعب‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬الاستفتاء‮.‬
لا‮ ‬أعتقد‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬ديمقراطية‮ ‬أكبر‮ ‬من‮ ‬اللجوء‮ ‬إلى‮ ‬سلطة‮ ‬الشعب،‮ ‬والاستفتاء‮ ‬يبقى‮ ‬التجسيد‮ ‬الأسمى‮ ‬لسلطة‮ ‬الشعب‮ ‬وإرادته‮.‬
ما‮ ‬حدث‮ ‬في‮ ‬الواقع‮ ‬أن‮ ‬الملك‮ ‬سحب‮ ‬البساط‮ ‬من‮ ‬تحت‮ ‬أقدام‮ ‬الهيئات‮ ‬السياسية‮ ‬والحقوقية‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬تعتقد‮ ‬أن‮ ‬الملكية‮ ‬ستختار‮ ‬السير‮ ‬ضد‮ ‬التيار،‮ ‬خصوصا‮ ‬وأن‮ ‬الملك‮ ‬لم‮ ‬يقترح‮ ‬تعديل‮ ‬الدستور‮ ‬فقط‮ ‬بل‮ ‬تغييره‮ ‬من‮ ‬أساسه‮.‬
وبما‮ ‬أن‮ ‬الجميع‮ ‬يتحدث‮ ‬باسم‮ ‬الشعب،‮ ‬فإن‮ ‬الملك‮ ‬قرر‮ ‬أن‮ ‬يخضع‮ ‬هذا‮ ‬الشعار‮ ‬للاختبار‮ ‬الديمقراطي،‮ ‬هكذا‮ ‬يعرف‮ ‬الجميع‮ ‬ماذا‮ ‬يدور‮ ‬في‮ ‬رأس‮ ‬الشعب‮.‬
أحد‮ ‬المتعالمين،‮ ‬عندما‮ ‬لم‮ ‬يجد‮ ‬ما‮ ‬يقوله،‮ ‬تذرع‮ ‬بأن‮ ‬المهلة‮ ‬الزمنية‮ ‬التي‮ ‬سيستغرقها‮ ‬عمل‮ ‬اللجنة‮ ‬طويلة،‮ ‬واقترح‮ ‬لها‮ ‬شهرا‮ ‬وثلاثة‮ ‬أسابيع‮ ‬لتقديم‮ ‬مسودة‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد،‮ ‬وكأن‮ ‬المغاربة‮ ‬الذين‮ ‬انتظروا‮ ‬دستورا‮ ‬جديدا‮ ‬لأكثر‮ ‬من‮ ‬ثلاثين‮ ‬سنة‮ ‬لا‮ ‬يستطيعون‮ ‬انتظار‮ ‬شهرين‮ ‬إضافيين‮.‬
واضح‮ ‬إذن‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬أطرافا‮ ‬سياسية،‮ ‬بتنسيق‮ ‬واضح‮ ‬مع‮ ‬أطراف‮ ‬حقوقية‮ ‬وإعلامية،‮ ‬تبحث‮ ‬لكي‮ ‬تفرغ‮ ‬المبادرة‮ ‬التي‮ ‬أطلقها‮ ‬الملك‮ ‬من‮ ‬ثوريتيها،‮ ‬وهي‮ ‬الثورية‮ ‬التي‮ ‬انتبهت‮ ‬إليها‮ ‬وحيتها‮ ‬المنظمات‮ ‬والهيئات‮ ‬الدبلوماسية‮ ‬والإعلامية‮ ‬الأوربية‮ ‬والأمريكية،‮ ‬فيما‮ ‬تفرغت‮ ‬بعض‮ ‬المنظمات‮ ‬والهيئات‮ ‬المغربية‮ ‬لتبخيسها‮ ‬وإفراغها‮ ‬من‮ ‬قوتها‮. ‬والسبب‮ ‬هو‮ ‬أن‮ ‬كثيرا‮ ‬من‮ ‬متزعمي‮ ‬هذه‮ ‬الهيئات‮ ‬السياسية‮ ‬والحقوقية‮ ‬والإعلامية‮ ‬يؤمنون‮ ‬بمبدأ‮ «‬معزة‮ ‬ولو‮ ‬طارت‮»‬،‮ ‬فهم‮ ‬يصرون‮ ‬على‮ ‬مواقفهم‮ ‬المتصلبة‮ ‬حتى‮ ‬ولو‮ ‬تم‮ ‬تغيير‮ ‬الدستور،‮ ‬وليس‮ ‬فقط‮ ‬تعديله‮ ‬كما‮ ‬كانوا‮ ‬يطالبون‮ ‬بذلك،‮ ‬وتم‮ ‬اللجوء‮ ‬إلى‮ ‬الشعب‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬استفتائه‮ ‬رأيه‮ ‬حوله‮.‬
ولعل‮ ‬ما‮ ‬جعل‮ ‬كثيرا‮ ‬من‮ ‬هؤلاء‮ ‬المتصلبين‮ ‬الذين‮ ‬يصرون‮ ‬على‮ ‬كون‮ ‬الطائر‮ ‬الذي‮ ‬يرونه‮ ‬بوضوح‮ «‬معزة‮» ‬حتى‮ ‬ولو‮ ‬طار،‮ ‬هو‮ ‬كون‮ ‬المبادرة‮ ‬الملكية‮ ‬انتزعت‮ ‬منهم‮ ‬يافطة‮ ‬مهمة‮ ‬هي‮ «‬الشعب‮ ‬يريد‮». ‬الآن،‮ ‬عندما‮ ‬ستنتهي‮ ‬اللجنة‮ ‬من‮ ‬إعداد‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد‮ ‬بالتشاور‮ ‬مع‮ ‬الجميع،‮ ‬سنرى‮ ‬ما‮ ‬الذي‮ ‬يريده‮ ‬الشعب‮ ‬حقا‮. ‬هكذا‮ ‬سيكون‮ ‬للمغرب‮ ‬الدستور‮ ‬الذي‮ ‬يختاره‮ ‬المغاربة‮ ‬ديمقراطيا‮ ‬عن‮ ‬طريق‮ ‬الاستفتاء،‮ ‬وليس‮ ‬الدستور‮ ‬الذي‮ ‬تريده‮ ‬خديجة‮ ‬الرياضي‮ ‬أو‮ ‬عبد‮ ‬الله‮ ‬الحريف،‮ ‬واللذان‮ ‬لا‮ ‬يمثلان‮ ‬سوى‮ ‬عينة‮ ‬قليلة‮ ‬جدا‮ ‬من‮ ‬المغاربة‮.‬
وإذا‮ ‬وجدت‮ ‬الهيئات‮ ‬السياسية‮ ‬والحقوقية‮ ‬المكونة‮ ‬لحركة‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬أن‮ ‬الدستور‮ ‬الذي‮ ‬تقترحه‮ ‬اللجنة‮ ‬لا‮ ‬ينسجم‮ ‬مع‮ ‬تطلعات‮ ‬المغاربة،‮ ‬فالمجال‮ ‬مفتوح‮ ‬أمامها،‮ ‬عبر‮ ‬فروع‮ ‬أحزابها‮ ‬وجمعياتها،‮ ‬لتوعية‮ ‬الشعب‮ ‬بمخاطر‮ ‬هذا‮ ‬الدستور‮ ‬على‮ ‬مستقبله‮ ‬السياسي‮ ‬ودعوته‮ ‬إلى‮ ‬التصويت‮ ‬بالرفض‮ ‬على‮ ‬الدستور‮ ‬المقترح‮.‬
إن‮ ‬مشكلة‮ ‬هؤلاء‮ ‬السياسيين‮ ‬الذين‮ ‬يختفون‮ ‬وراء‮ ‬شباب‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬هي‮ ‬أن‮ ‬امتدادهم‮ ‬الشعبي‮ ‬محدود‮ ‬جدا،‮ ‬وتأثيرهم‮ ‬في‮ ‬الرأي‮ ‬العام‮ ‬يكاد‮ ‬يكون‮ ‬منعدما‮. ‬ولولا‮ ‬أن‮ ‬جماعة‮ ‬العدل‮ ‬والإحسان‮ ‬قررت‮ ‬عدم‮ ‬النزول‮ ‬إلى‮ ‬الشارع‮ ‬للتظاهر‮ ‬مع‮ ‬الشباب‮ ‬إلى‮ ‬جانب‮ ‬هؤلاء‮ ‬السياسيين،‮ ‬لظهروا‮ ‬بصورة‮ ‬عددية‮ ‬مخجلة‮.‬
الجميع‮ ‬يعرف‮ ‬أن‮ ‬حوالي‮ ‬تسعين‮ ‬في‮ ‬المائة‮ ‬من‮ ‬المشاركين‮ ‬في‮ ‬تظاهرات‮ ‬حركة‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬هم‮ ‬أعضاء‮ ‬في‮ ‬شبيبة‮ ‬العدل‮ ‬والإحسان،‮ ‬ولذلك‮ ‬فإذا‮ ‬كانت‮ ‬هناك‮ ‬من‮ ‬خطوة‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تقوم‮ ‬بها‮ ‬الدولة‮ ‬بشكل‮ ‬مستعجل‮ ‬فهي‮ ‬فتح‮ ‬حوار‮ ‬جدي‮ ‬مع‮ ‬هذه‮ ‬الجماعة‮ ‬المحظورة‮ ‬في‮ ‬أفق‮ ‬الترخيص‮ ‬لها‮ ‬وإعطائها‮ ‬إمكانية‮ ‬التحول‮ ‬إلى‮ ‬حزب‮ ‬سياسي‮ ‬يستطيع‮ ‬أن‮ ‬يشارك‮ ‬في‮ ‬الانتخابات‮ ‬المقبلة‮ ‬مثله‮ ‬مثل‮ ‬جميع‮ ‬الأحزاب‮ ‬الأخرى‮.‬
لم‮ ‬يعد‮ ‬هناك‮ ‬مبرر،‮ ‬في‮ ‬مغرب‮ ‬ما‮ ‬بعد‮ ‬التاسع‮ ‬من‮ ‬مارس،‮ ‬لإقصاء‮ ‬أي‮ ‬أحد‮ ‬من‮ ‬اللعبة‮ ‬السياسية،‮ ‬مادام‮ ‬هناك‮ ‬اتفاق‮ ‬مبدئي‮ ‬على‮ ‬احترام‮ ‬قواعد‮ ‬هذه‮ ‬اللعبة‮. ‬والحكم‮ ‬الفصل‮ ‬بين‮ ‬كل‮ ‬هؤلاء‮ ‬اللاعبين‮ ‬هو‮ ‬صناديق‮ ‬الاقتراع،‮ ‬أي‮ ‬أن‮ ‬الشعب‮ ‬هو‮ ‬من‮ ‬سيختار‮ ‬من‮ ‬يحكمه‮ ‬ويمثله‮.‬
إن‮ ‬ما‮ ‬يلوح‮ ‬في‮ ‬الأفق‮ ‬هو،‮ ‬في‮ ‬الحقيقة،‮ ‬بوادر‮ ‬مغرب‮ ‬جديد،‮ ‬ولذلك‮ ‬فعلى‮ ‬الدولة‮ ‬أن‮ ‬تنخرط‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الثورة‮ ‬بإعلان‮ ‬مصالحة‮ ‬وطنية‮ ‬بين‮ ‬جميع‮ ‬الفرقاء‮ ‬السياسيين،‮ ‬تبدأ‮ ‬بإطلاق‮ ‬سراح‮ ‬المعتقلين‮ ‬السياسيين‮ ‬الستة‮ ‬الذين‮ ‬يعرف‮ ‬الجميع‮ ‬أن‮ ‬محاكمتهم‮ ‬وسجنهم‮ ‬وحل‮ ‬حزبهم‮ ‬كان‮ ‬مجرد‮ ‬نزوة‮ ‬من‮ ‬نزوات‮ ‬الهمة‮ ‬بسبب‮ ‬رفض‮ ‬بعض‮ ‬هؤلاء‮ ‬منحه‮ ‬حزبهم‮ ‬لكي‮ ‬يفعل‮ ‬به‮ ‬ما‮ ‬يريده‮. ‬
كما‮ ‬أن‮ ‬الجميع‮ ‬يعرف‮ ‬أن‮ ‬المحاكمات‮ ‬العشوائية‮ ‬والظالمة‮ ‬التي‮ ‬تعرض‮ ‬لها‮ ‬معتقلو‮ ‬ما‮ ‬يسمى‮ ‬بالسلفية‮ ‬الجهادية،‮ ‬كانت‮ ‬مجزرة‮ ‬حقيقية‮ ‬تم‮ ‬فيها‮ ‬جز‮ ‬عنق‮ ‬شروط‮ ‬المحاكمة‮ ‬العادلة‮. ‬ولذلك،‮ ‬فقد‮ ‬حان‮ ‬الوقت‮ ‬لطي‮ ‬هذا‮ ‬الملف‮ ‬وتسريح‮ ‬المعتقلين‮ ‬الذين‮ ‬لم‮ ‬يتورطوا‮ ‬في‮ ‬جرائم‮ ‬الدم،‮ ‬والاعتذار‮ ‬والتعويض‮ ‬إلى‮ ‬الذين‮ ‬اعتقلوا‮ ‬ظلما‮ ‬وعدوانا‮ ‬وتعرضوا‮ ‬للتعذيب،‮ ‬خصوصا‮ ‬الشيخين‮ ‬الكتاني‮ ‬وأبو‮ ‬حفص‮ ‬اللذين‮ ‬تتأجل‮ ‬إعادة‮ ‬النظر‮ ‬في‮ ‬محاكمتهما‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬مرة‮ ‬بدون‮ ‬سبب‮ ‬مقنع،‮ ‬رغم‮ ‬تبرئهما‮ ‬من‮ ‬أحداث‮ ‬16‮ ‬ماي‮ ‬الدامية،‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬ننسى‮ ‬محمد‮ ‬الفيزازي‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يتم‮ ‬اعتقاله،‮ ‬كما‮ ‬يعتقد‮ ‬الجميع،‮ ‬بسبب‮ ‬الحوار‮ ‬الذي‮ ‬نشر‮ ‬في‮ ‬جريدة‮ «‬الشرق‮ ‬الأوسط‮»‬،‮ ‬وإنما‮ ‬بسبب‮ ‬المقاطع‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬تنشر‮ ‬من‮ ‬الحوار،‮ ‬والتي‮ ‬تضمنها‮ ‬الشريط‮ ‬الذي‮ ‬أوصله‮ ‬الصحافي‮ ‬علي‮ ‬أنوزلا،‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬صحافيا‮ ‬في‮ ‬مكتب‮ «‬الشرق‮ ‬الأوسط‮» ‬في‮ ‬الرباط،‮ ‬إلى‮ ‬أيدي‮ ‬الجنرال‮ ‬العنيكري،‮ ‬فكانت‮ ‬تلك‮ ‬المقاطع‮ ‬غير‮ ‬المنشورة‮ ‬هي‮ ‬سبب‮ ‬اعتقاله‮ ‬ومحاكمته‮ ‬بثلاثين‮ ‬سنة‮ ‬سجنا‮.‬
إن‮ ‬المغرب‮ ‬مقبل‮ ‬على‮ ‬ثورة‮ ‬حقيقية‮ ‬ستدخل‮ ‬به‮ ‬عهدا‮ ‬جديدا‮ ‬تكون‮ ‬فيه‮ ‬للإرادة‮ ‬الشعبية‮ ‬سلطة‮ ‬القرار‮ ‬والتسيير‮. ‬وهذه‮ ‬الثورة‮ ‬بحاجة‮ ‬إلى‮ ‬مصالحة‮ ‬ووئام‮ ‬شامل‮ ‬حتى‮ ‬يبدأ‮ ‬المغرب‮ ‬صفحة‮ ‬جديدة‮ ‬من‮ ‬تاريخه‮ ‬مبنية‮ ‬على‮ ‬التسامح،‮ ‬لا‮ ‬على‮ ‬العداوات‮ ‬والأحقاد‮.‬
إن‮ ‬ما‮ ‬سينجح‮ ‬هذه‮ ‬الثورة‮ ‬التي‮ ‬أطلقها‮ ‬الملك‮ ‬هو‮ ‬إفساح‮ ‬المجال‮ ‬لجميع‮ ‬الحساسيات‮ ‬لكل‮ ‬تعبر‮ ‬عن‮ ‬نفسها‮ ‬في‮ ‬الساحة‮. ‬الإسلاميون‮ ‬واليساريون‮ ‬واليمينيون‮ ‬والشيوعيون‮ ‬والوسطيون،‮ ‬جميعهم‮ ‬مدعوون‮ ‬إلى‮ ‬الانخراط‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الثورة‮ ‬لمصلحة‮ ‬المغرب‮ ‬والمغاربة‮.‬
سيكون‮ ‬من‮ ‬باب‮ ‬الوصاية‮ ‬والحجر‮ ‬على‮ ‬عقول‮ ‬المغاربة‮ ‬وإرادتهم‮ ‬إلغاء‮ ‬رأي‮ ‬أو‮ ‬حساسية‮ ‬سياسية‮ ‬من‮ ‬الساحة‮ ‬بحجة‮ ‬عدم‮ ‬صلاحيتها‮ ‬للاستهلاك‮. ‬لقد‮ ‬انتهى‮ ‬عهد‮ ‬السطو‮ ‬على‮ ‬إرادة‮ ‬الشعب‮ ‬برفع‮ ‬الشعارات‮ ‬التي‮ ‬تقول‮ «‬الشعب‮ ‬يريد‮». ‬الآن‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬نعطي‮ ‬الشعب‮ ‬الفرصة‮ ‬لكي‮ ‬يقول‮ ‬لنا‮ ‬هو‮ ‬ماذا‮ ‬يريد‮ ‬ومتى‮ ‬يريد‮ ‬وكيف‮ ‬يريد‮.‬
لا‮ ‬أحد‮ ‬لديه‮ ‬الحق‮ ‬في‮ ‬مصادرة‮ ‬حق‮ ‬الشعب‮ ‬في‮ ‬الاختيار‮. ‬وأنسب‮ ‬مكان‮ ‬للاختيار‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬الديمقراطيات‮ ‬هو‮ ‬صناديق‮ ‬الاقتراع‮. ‬وكل‮ ‬من‮ ‬يريد‮ ‬فرض‮ ‬رأيه‮ ‬واختياراته‮ ‬على‮ ‬الشعب،‮ ‬بحجة‮ ‬أن‮ «‬الشعب‮ ‬يريد‮»‬،‮ ‬عليه‮ ‬أن‮ ‬يشرح‮ ‬لهذا‮ ‬الشعب‮ ‬متى‮ ‬أعطاه‮ ‬الحق‮ ‬لكي‮ ‬يحدد‮ ‬له‮ ‬ما‮ ‬يريده‮ ‬وما‮ ‬لا‮ ‬يريده‮.‬
لقد‮ ‬أرست‮ ‬جهات‮ ‬يسارية‮ ‬وحقوقية‮ ‬راديكالية،‮ ‬بواسطة‮ ‬الإعلام‮ ‬المفلس‮ ‬الباحث‮ ‬عن‮ ‬قراء،‮ ‬جوا‮ ‬من‮ ‬الرعب‮ ‬والترهيب‮ ‬بواسطة‮ ‬شعار‮ «‬الشعب‮ ‬يريد‮»‬،‮ ‬حتى‮ ‬أصبح‮ ‬كل‮ ‬من‮ ‬لديه‮ ‬رأي‮ ‬مخالف‮ ‬لرأي‮ ‬حركة‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬يحتفظ‮ ‬به‮ ‬لنفسه‮ ‬مخافة‮ ‬أن‮ ‬ينعتوه‮ ‬بالخائن‮ ‬والمتآمر‮ ‬والمخزني،‮ ‬إلى‮ ‬درجة‮ ‬أن‮ ‬حزبا‮ ‬تقليديا‮ ‬غارقا‮ ‬في‮ ‬المخزنية‮ ‬حتى‮ ‬الأذنين،‮ ‬اسمه‮ ‬الحركة‮ ‬الشعبية،‮ ‬أصبح‮ ‬يتحدث‮ ‬عن‮ ‬الإصلاحات‮ ‬الدستورية‮ ‬أكثر‮ ‬مما‮ ‬يتحدث‮ ‬عنها‮ ‬الاتحاد‮ ‬الاشتراكي‮.‬
وقد‮ ‬نجح‮ ‬هذا‮ ‬الأسلوب‮ ‬الاستفزازي‮ ‬في‮ ‬تخويف‮ ‬الكثيرين‮ ‬وجعلهم‮ ‬يفضلون‮ ‬ركوب‮ ‬الموجة‮ ‬مخافة‮ ‬أن‮ ‬يتجاوزهم‮ ‬الركب‮ ‬فينتهوا‮ ‬في‮ ‬الأخير‮ «‬لا‮ ‬ديدي‮ ‬لا‮ ‬حب‮ ‬الملوك‮». ‬وتحولت‮ ‬حركة‮ ‬20‮ ‬فبراير‮ ‬إلى‮ ‬ما‮ ‬يشبه‮ ‬الصنم‮ ‬الذي‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يتقرب‮ ‬إليه‮ ‬الجميع‮ ‬بالضراعة‮ ‬والخشوع،‮ ‬وكأن‮ ‬شبابها‮ ‬ملائكة‮ ‬لا‮ ‬يخطئون،‮ ‬وكأن‮ ‬السياسيين‮ ‬الذين‮ ‬يقفون‮ ‬وراءهم‮ ‬قديسون‮ ‬لا‮ ‬تجوز‮ ‬مخالفتهم‮ ‬في‮ ‬رأي‮ ‬أو‮ ‬مناقشتهم‮ ‬في‮ ‬موقف‮.‬
ولنا‮ ‬في‮ ‬عملية‮ ‬السلخ‮ ‬الجماعي‮ ‬التي‮ ‬يقوم‮ ‬بها‮ ‬الرفاق‮ ‬هذه‮ ‬الأيام‮ ‬ضد‮ ‬رفيقهم‮ ‬محمد‮ ‬الصبار،‮ ‬لمجرد‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬الأخير‮ ‬قبل‮ ‬دعوة‮ ‬الملك‮ ‬إياه‮ ‬إلى‮ ‬شغل‮ ‬منصب‮ ‬الأمين‮ ‬العام‮ ‬للمجلس‮ ‬الوطني‮ ‬لحقوق‮ ‬الإنسان،‮ ‬ورميه‮ ‬بأسوأ‮ ‬النعوت‮ ‬وأقذع‮ ‬الشتائم‮ ‬كما‮ ‬لو‮ ‬أن‮ ‬الرجل‮ ‬ذهب‮ ‬ليشتغل‮ ‬مع‮ ‬الشيطان،‮ ‬خير‮ ‬دليل‮ ‬على‮ ‬القدرة‮ ‬الكبيرة‮ ‬لهؤلاء‮ ‬الناس‮ ‬على‮ ‬الإلغاء‮ ‬والإقصاء‮ ‬والقتل‮ ‬الرمزي‮.‬
الآن،‮ ‬بعدما‮ ‬احتكم‮ ‬الملك‮ ‬إلى‮ ‬الشعب،‮ ‬يجب‮ ‬على‮ ‬الجميع‮ ‬أن‮ ‬يقبلوا‮ ‬بهذا‮ ‬التحكيم‮. ‬وإذا‮ ‬كنا‮ ‬ديمقراطيين،‮ ‬فيجب‮ ‬أن‮ ‬نطالب‮ ‬بشيء‮ ‬واحد‮ ‬وهو‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬هناك‮ ‬ضمانات‮ ‬لمرور‮ ‬الاستفتاء‮ ‬في‮ ‬ظروف‮ ‬شفافة‮ ‬وديمقراطية‮. ‬الشعب‮ ‬يريد‮ ‬أن‮ ‬تتركوه‮ ‬يختار‮ ‬بحرية‮ ‬ما‮ ‬يريده‮.‬
‮«‬واللي‮ ‬بغاها‮ ‬الشعب‮ ‬هيا‮ ‬اللي‮ ‬تكون‮».‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق