الخميس، 17 مارس 2011

الحساب‮ ‬صابون‮ ‬

لعل‮ ‬السؤال‮ ‬الكبير‮ ‬الذي‮ ‬يطرحه‮ ‬جل‮ ‬المغاربة‮ ‬اليوم،‮ ‬بعد‮ ‬التحدي‮ ‬الدستوري‮ ‬الذي‮ ‬طرحه‮ ‬الملك،‮ ‬هو‮: ‬هل‮ ‬برلماننا‮ ‬وأحزابنا‮ ‬السياسية‮ ‬مستعدة‮ ‬لكي‮ ‬تكون‮ ‬في‮ ‬مستوى‮ ‬هذا‮ ‬التحدي؟
بعد‮ ‬أقل‮ ‬من‮ ‬سنة،‮ ‬في‮ ‬حالة‮ ‬تصويت‮ ‬الشعب‮ ‬بالموافقة‮ ‬على‮ ‬الدستور‮ ‬الجديد،‮ ‬سيتحمل‮ ‬الشعب‮ ‬مسؤولية‮ ‬من‮ ‬سينتخبهم‮ ‬لتسيير‮ ‬أموره‮. ‬كيف،‮ ‬إذن،‮ ‬سيفرز‮ ‬الشعب‮ ‬النخبة‮ ‬التي‮ ‬ستسير‮ ‬شؤونه‮ ‬إذا‮ ‬كان‮ ‬سواده‮ ‬الأعظم‮ ‬غير‮ ‬منخرط‮ ‬في‮ ‬الأحزاب‮ ‬السياسية‮ ‬ولا‮ ‬يذهب‮ ‬إلى‮ ‬التصويت‮ ‬في‮ ‬الانتخابات؟
هذا‮ ‬سؤال‮ ‬إشكالي‮ ‬يتطلب‮ ‬جوابا‮ ‬صريحا‮ ‬وعاجلا‮. ‬
نحن‮ ‬نعيش‮ ‬أزمة‮ ‬مصداقية‮ ‬حادة‮ ‬لدى‮ ‬النخب‮ ‬السياسية‮ ‬جعلت‮ ‬العملية‮ ‬الانتخابية‮ ‬برمتها‮ ‬تتحول‮ ‬إلى‮ ‬مسخرة‮. ‬هذا‮ ‬يعني‮ ‬أن‮ ‬أولوية‮ ‬الأولويات‮ ‬اليوم‮ ‬في‮ ‬المغرب‮ ‬هي‮ ‬إعادة‮ ‬المصداقية‮ ‬إلى‮ ‬اللعبة‮ ‬السياسية‮ ‬التي‮ ‬أطلق‮ ‬الهمة‮ ‬وحزبه‮ ‬نحو‮ ‬صدغها‮ ‬رصاصة‮ ‬الرحمة،‮ ‬إلى‮ ‬درجة‮ ‬أنه‮ (‬الهمة‮) ‬لم‮ ‬يتورع‮ ‬خلال‮ ‬الأسبوع‮ ‬الماضي‮ ‬عن‮ ‬إجلاس‮ ‬وزير‮ ‬في‮ ‬الأغلبية‮ ‬الحكومية‮ ‬وسط‮ ‬أعضاء‮ ‬المكتب‮ ‬السياسي‮ ‬لحزبه‮ ‬الذي‮ ‬يوجد‮ ‬في‮ ‬المعارضة‮. «‬وسير‮ ‬فهم‮ ‬نتا‮ ‬شي‮ ‬زفتة‮».‬
ولذلك،‮ ‬فأول‮ ‬خطوة‮ ‬لإعادة‮ ‬المصداقية‮ ‬إلى‮ ‬المشهد‮ ‬السياسي‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تبدأ‮ ‬بإعادة‮ ‬حزب‮ ‬الهمة‮ ‬إلى‮ ‬حجمه‮ ‬الطبيعي‮ ‬وتجريده‮ ‬من‮ ‬القداسة‮ ‬التي‮ ‬أحاطه‮ ‬بها‮ ‬مؤسسه‮ ‬والتي‮ ‬استعملها‮ ‬تابعوه‮ ‬لإرهاب‮ ‬خصومهم‮ ‬واستدراج‮ ‬ذوي‮ ‬السوابق‮ ‬منهم،‮ ‬تحت‮ ‬الإكراه‮ ‬المادي‮ ‬والمعنوي،‮ ‬إلى‮ ‬صفوف‮ ‬الحزب‮.‬
هذا‮ ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬أن‮ ‬بقية‮ ‬الأحزاب‮ ‬الأخرى‮ ‬يقودها‮ ‬أشخاص‮ ‬نورانيون‮ ‬ملائكيون‮ ‬لا‮ ‬يأتيهم‮ ‬الباطل‮ ‬من‮ ‬بين‮ ‬أيديهم‮ ‬ولا‮ ‬من‮ ‬خلفهم،‮ ‬لكن‮ ‬مهما‮ ‬طغى‮ ‬هؤلاء‮ ‬الزعماء‮ ‬وتجبروا‮ ‬على‮ ‬قواعدهم‮ ‬الحزبية‮ ‬فإنهم‮ ‬لن‮ ‬يبلغوا‮ ‬المستوى‮ ‬الخطير‮ ‬الذي‮ ‬وصل‮ ‬إليه‮ ‬طغيان‮ ‬الهمة‮ ‬وحوارييه‮.‬
في‮ ‬جميع‮ ‬الدول‮ ‬الديمقراطية،‮ ‬يكون‮ ‬زعماء‮ ‬الأحزاب‮ ‬السياسية‮ ‬مثالا‮ ‬للنزاهة‮ ‬ونظافة‮ ‬اليد‮ ‬وسلامة‮ ‬الذمة،‮ ‬بحيث‮ ‬يقدمون‮ ‬إلى‮ ‬مناضليهم‮ ‬المثال‮ ‬الذي‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يتم‮ ‬الاقتداء‮ ‬به‮.‬
في‮ ‬المغرب،‮ ‬لدينا‮ ‬زعماء‮ ‬أحزاب‮ ‬سياسية‮ ‬سبق‮ ‬لهم‮ ‬أن‮ ‬مروا‮ ‬من‮ ‬دواليب‮ ‬الحكومات‮ ‬التي‮ ‬تعاقبت‮ ‬على‮ ‬المغاربة،‮ ‬وتركوا‮ ‬ما‮ ‬يدل‮ ‬على‮ ‬آثارهم‮ ‬المدمرة‮ ‬في‮ ‬القطاعات‮ ‬التي‮ ‬تحملوا‮ ‬مسؤولية‮ ‬تسييرها‮. ‬ومن‮ ‬يعود‮ ‬إلى‮ ‬تقارير‮ ‬المجلس‮ ‬الأعلى‮ ‬للحسابات‮ ‬سيعثر‮ ‬على‮ «‬منجزاتهم‮» ‬بالأرقام‮ ‬والتواريخ‮ ‬والفواتير‮.‬
لذلك،‮ ‬فالمطلوب‮ ‬هو‮ ‬أن‮ ‬تنجز‮ ‬الأحزاب‮ ‬السياسية‮ ‬ثوراتها‮ ‬الخاصة‮ ‬وتنظف‮ ‬بيتها‮ ‬الداخلي‮ ‬وتفرز‮ ‬نخبة‮ ‬جديدة‮ ‬بدماء‮ ‬جديدة‮ ‬ووجوه‮ ‬جديدة،‮ ‬لأن‮ ‬الوجوه‮ ‬القديمة‮ ‬والمستهلكة‮ ‬تجاوزت‮ ‬مدة‮ ‬صلاحيتها‮ ‬السياسية‮ ‬ولم‮ ‬تعد‮ ‬تقنع‮ ‬أحدا‮ ‬بالمشاركة‮ ‬في‮ ‬الانتخابات‮.‬
الشيء‮ ‬الثاني‮ ‬المهم‮ ‬الذي‮ ‬سيشجع‮ ‬المغاربة‮ ‬على‮ ‬الإقبال‮ ‬على‮ ‬السياسة،‮ ‬هو‮ ‬تفعيل‮ ‬مبدأي‮ ‬المحاسبة‮ ‬القانونية‮ ‬والعقاب‮ ‬ضد‮ ‬كل‮ ‬من‮ ‬يتورط‮ ‬أثناء‮ ‬تسييره‮ ‬للشأن‮ ‬العام‮ ‬في‮ ‬اختلاس‮ ‬أموال‮ ‬دافعي‮ ‬الضرائب‮. ‬
وشخصيا،‮ ‬أعتقد‮ ‬أن‮ ‬أهم‮ ‬وأخطر‮ ‬المرتكزات‮ ‬في‮ ‬الدستور‮ ‬الذي‮ ‬اقترحه‮ ‬الملك‮ ‬في‮ ‬خطابه‮ ‬هو‮ ‬المرتكز‮ ‬السادس‮ ‬المتعلق‮ ‬بتقوية‮ ‬آليات‮ ‬تخليق‮ ‬الحياة‮ ‬العامة‮ ‬وربط‮ ‬ممارسة‮ ‬السلطة‮ ‬والمسؤولية‮ ‬العمومية‮ ‬بالمراقبة‮ ‬والمحاسبة‮. ‬
إن‮ ‬هذا‮ ‬المرتكز‮ ‬يشكل،‮ ‬بالإضافة‮ ‬إلى‮ ‬المرتكز‮ ‬الثالث‮ ‬المتعلق‮ ‬بالارتقاء‮ ‬بالقضاء‮ ‬إلى‮ ‬سلطة‮ ‬مستقلة‮ ‬وتعزيز‮ ‬صلاحيات‮ ‬المجلس‮ ‬الدستوري‮ ‬تعزيزا‮ ‬لسيادة‮ ‬القانون‮ ‬والمساواة‮ ‬أمامه،‮ ‬صلب‮ ‬الثورة‮ ‬الدستورية‮ ‬التي‮ ‬يبشر‮ ‬بها‮ ‬الملك‮. ‬
والواقع‮ ‬أن‮ ‬نجاح‮ ‬كل‮ ‬المرتكزات‮ ‬الأخرى‮ ‬التي‮ ‬جاءت‮ ‬في‮ ‬ديباجة‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬تتوقف‮ ‬أساسا‮ ‬على‮ ‬التطبيق‮ ‬العاجل‮ ‬لهذين‮ ‬المرتكزين‮ ‬المتعلقين‮ ‬بربط‮ ‬ممارسة‮ ‬السلطة‮ ‬والمسؤولية‮ ‬العمومية‮ ‬بالمراقبة‮ ‬والمحاسبة‮ ‬في‮ ‬إطار‮ ‬سيادة‮ ‬القانون‮ ‬والمساواة‮ ‬أمامه‮.‬
عندما‮ ‬سيقف‮ ‬أبناء‮ ‬الأمراء‮ ‬وأبناء‮ ‬الوزراء‮ ‬والوزراء‮ ‬والولاة‮ ‬والعمال‮ ‬والموظفون‮ ‬السامون‮ ‬والجنرالات‮ ‬أمام‮ ‬القضاء‮ ‬مثلما‮ ‬يقف‮ ‬المواطنون‮ ‬البسطاء،‮ ‬آنذاك‮ ‬سيفهم‮ ‬المغاربة‮ ‬أن‮ ‬القانون‮ ‬أصبح‮ ‬يسري‮ ‬على‮ ‬الجميع‮ ‬بنفس‮ ‬القدر،‮ ‬وأن‮ ‬عهد‮ «‬واش‮ ‬ماعترفتيش‮ ‬مع‮ ‬من‮ ‬كاتهضر‮» ‬انقضى‮ ‬وانتهى‮ ‬إلى‮ ‬غير‮ ‬رجعة‮. ‬
آنذاك،‮ ‬سيفهم‮ ‬كل‮ ‬من‮ ‬يريد‮ ‬أن‮ ‬يتقدم‮ ‬إلى‮ ‬الانتخابات‮ ‬لكي‮ ‬يتحمل‮ ‬مسؤولية‮ ‬السلطة‮ ‬والتسيير‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬شيئا‮ ‬في‮ ‬الدستور‮ ‬اسمه‮ ‬المراقبة‮ ‬والمحاسبة،‮ ‬وأن‮ ‬السياسة‮ ‬لم‮ ‬تعد‮ ‬سلما‮ ‬للارتقاء‮ ‬الاجتماعي‮ ‬والاغتناء‮ ‬الاقتصادي‮.‬
إنه‮ ‬تمرين‮ ‬شاق‮ ‬وضروري‮ ‬لإعادة‮ ‬السياسة‮ ‬إلى‮ ‬وظيفتها‮ ‬الأصلية،‮ ‬أي‮ ‬إلى‮ ‬ساحة‮ ‬صراع‮ ‬الأفكار‮ ‬والمناهج‮ ‬والبرامج‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬تشكيل‮ ‬وعي‮ ‬سياسي‮ ‬لدى‮ ‬المواطنين‮ ‬بحقوقهم‮ ‬وواجباتهم‮ ‬خدمة‮ ‬للصالح‮ ‬العام‮.   ‬
وعوض‮ ‬أن‮ ‬تظل‮ ‬الأحزاب‮ ‬السياسية‮ ‬بمثابة‮ ‬دكاكين‮ ‬انتخابية‮ ‬يستغلها‮ ‬زعماؤها‮ ‬للمتاجرة‮ ‬في‮ ‬التزكيات،‮ ‬ستتحول‮ ‬إلى‮ ‬مؤسسات‮ ‬لصناعة‮ ‬الرأي‮ ‬العام‮ ‬وخلق‮ ‬توازن‮ ‬في‮ ‬ميزان‮ ‬القوى‮ ‬السياسي‮.‬
وهو‮ ‬التوازن‮ ‬الغائب‮ ‬الآن،‮ ‬والذي‮ ‬بسببه‮ ‬ظهرت‮ ‬نبتة‮ ‬طفيلية‮ ‬ضارة‮ ‬اسمها‮ ‬الأصالة‮ ‬والمعاصرة‮ ‬واجتاحت‮ ‬الحقل‮ ‬السياسي‮ ‬والتهمت‮ ‬الأعشاب‮ ‬البرية‮ ‬التي‮ ‬كان‮ ‬من‮ ‬الممكن‮ ‬أن‮ ‬تشكل‮ ‬ربيع‮ ‬الديمقراطية‮.‬
إن‮ ‬ما‮ ‬نفر‮ ‬وكره‮ ‬العمل‮ ‬السياسي‮ ‬والحزبي‮ ‬إلى‮ ‬المغاربة‮ ‬وجعلهم‮ ‬يهربون‮ ‬من‮ ‬صناديق‮ ‬الاقتراع‮ ‬كما‮ ‬يهرب‮ ‬المرء‮ ‬من‮ ‬الجرب،‮ ‬هو‮ ‬رؤيتهم‮ ‬للعديد‮ ‬من‮ ‬المستشارين‮ ‬والعمداء‮ ‬وممثلي‮ ‬الشعب‮ ‬في‮ ‬البرلمان‮ ‬يقترفون‮ ‬الجرائم‮ ‬والمخالفات‮ ‬تحت‮ ‬غطاء‮ ‬الحصانة‮ ‬التي‮ ‬توفرها‮ ‬لهم‮ ‬المؤسسات‮ ‬المنتخبة‮ ‬التي‮ ‬يحتمون‮ ‬بها،‮ ‬أمام‮ ‬أنظار‮ ‬العدالة‮ ‬ومؤسسات‮ ‬المراقبة‮ ‬والتفتيش‮.‬
إن‮ ‬أكبر‮ ‬تمييع‮ ‬للحياة‮ ‬العمومية‮ ‬والسياسية‮ ‬هو‮ ‬تجميد‮ ‬تقارير‮ ‬قضاة‮ ‬المجلس‮ ‬الأعلى‮ ‬للحسابات‮ ‬وتقارير‮ ‬المفتشية‮ ‬العامة‮ ‬للمالية‮ ‬والداخلية،‮ ‬ومنح‮ ‬المدراء‮ ‬والرؤساء‮ ‬والمسؤولين‮ ‬المتورطين‮ ‬في‮ ‬تبديد‮ ‬المال‮ ‬العام‮ ‬حماية‮ ‬قانونية‮ ‬تشجعهم‮ ‬على‮ ‬الاستمرار‮ ‬في‮ ‬سرقاتهم‮.‬
إن‮ ‬مجرد‮ ‬تحريك‮ ‬المتابعة‮ ‬القانونية‮ ‬في‮ ‬حق‮ ‬هؤلاء‮ ‬المسؤولين‮ ‬سيعيد‮ ‬إلى‮ ‬القضاء‮ ‬هيبته‮ ‬على‮ ‬الفور،‮ ‬وسيجعل‮ ‬كل‮ ‬من‮ ‬يتقلد‮ ‬مسؤولية‮ ‬عمومية‮ ‬يستحضر‮ ‬شبح‮ ‬المراقبة‮ ‬والمتابعة‮. ‬بمعنى‮ ‬آخر،‮ ‬سيفهم‮ ‬الجميع‮ ‬أن‮ ‬عهد‮ «‬السيبة‮» ‬داخل‮ ‬المؤسسات‮ ‬العمومية‮ ‬والمنتخبة‮ ‬انتهى،‮ ‬و‮«‬اللي‮ ‬فرط‮ ‬يكرط‮». ‬
ما‮ ‬ظل‮ ‬يحدث،‮ ‬للأسف،‮ ‬طيلة‮ ‬السنوات‮ ‬الأخيرة‮ ‬من‮ «‬تمياك‮» ‬على‮ ‬اللصوص‮ ‬والمبذرين‮ ‬الذين‮ ‬نملأ‮ ‬بفضائحهم‮ ‬أوراق‮ ‬هذه‮ ‬الجريدة،‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬ينتهي‮ ‬الآن‮. ‬فبعد‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬الثوري،‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬للقضاء‮ ‬أي‮ ‬عذر‮ ‬للتستر‮ ‬على‮ ‬ملفات‮ ‬كل‮ ‬هؤلاء‮ ‬المسؤولين‮ ‬الذين‮ ‬وردت‮ ‬أسماؤهم‮ ‬في‮ ‬تقارير‮ ‬هيئات‮ ‬المراقبة‮ ‬والتفتيش‮.‬
سيقول‮ ‬قائل‮ ‬إننا‮ ‬نطالب‮ ‬بالشروع‮ ‬في‮ ‬حملة‮ ‬لمطاردة‮ ‬الساحرات،‮ ‬وسنجيب‮ ‬بالإيجاب‮. ‬نعم،‮ ‬الشعب‮ ‬يريد‮ ‬حملة‮ ‬تطهير‮ ‬تطيح‮ ‬برؤوس‮ ‬الفساد‮ ‬في‮ ‬المؤسسات‮ ‬العمومية‮ ‬والمنتخبة‮. ‬وإذا‮ ‬كانت‮ ‬تحقيقاتنا‮ ‬ومقالاتنا‮ ‬المعززة‮ ‬بالوثائق‮ ‬والأرقام‮ ‬غير‮ ‬كافية‮ ‬لكي‮ ‬تحرك‮ ‬النيابة‮ ‬العامة‮ ‬المتابعة‮ ‬في‮ ‬حق‮ ‬من‮ ‬نتهمهم‮ ‬بالفساد‮ ‬المالي‮ ‬والإداري،‮ ‬فأمامها‮ ‬تقارير‮ ‬مفصلة‮ ‬أنجزها‮ ‬قضاة‮ ‬محلفون‮ ‬ومتخصصون‮ ‬في‮ ‬الشؤون‮ ‬المالية‮.‬
ولنفترض‮ ‬أن‮ ‬ما‮ ‬ننشره‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الركن‮ ‬من‮ ‬تحقيقات‮ ‬حول‮ ‬الفساد‮ ‬والمفسدين‮ ‬تتحكم‮ ‬فيه‮ ‬حسابات‮ ‬خفية‮ ‬تجعل‮ ‬النيابة‮ ‬العامة‮ ‬تحجم‮ ‬عن‮ «‬توريط‮» ‬نفسها‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الحروب‮ ‬الخفية،‮ ‬فما‮ ‬الذي‮ ‬يجعلها‮ ‬تحجم‮ ‬عن‮ ‬فتح‮ ‬ملفات‮ ‬المسؤولين‮ ‬التي‮ ‬أنجزها‮ ‬القضاة‮. ‬هل‮ ‬تتحكم‮ ‬في‮ ‬تقارير‮ ‬هؤلاء‮ ‬القضاة‮ ‬المحلفين‮ ‬هم‮ ‬أيضا‮ ‬حسابات‮ ‬خفية‮ ‬تجهل‮ ‬النيابة‮ ‬العامة‮ ‬مراميها‮ ‬وتفضل‮ ‬البقاء‮ ‬بعيدا‮ ‬عن‮ ‬شظاياها؟
إن‮ ‬هيبة‮ ‬الدولة‮ ‬ومصداقية‮ ‬مؤسساتها‮ ‬الدستورية،‮ ‬بما‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬المؤسسة‮ ‬الملكية،‮ ‬متوقفة‮ ‬على‮ ‬تفعيل‮ ‬مبدأي‮ ‬المراقبة‮ ‬والمحاسبة‮ ‬القانونية‮ ‬لكل‮ ‬من‮ ‬يمارس‮ ‬السلطة‮ ‬والمسؤولية‮ ‬العمومية‮. ‬
في‮ ‬غياب‮ ‬تفعيل‮ ‬صارم‮ ‬وفوري‮ ‬لهذين‮ ‬المبدأين،‮ ‬سيتم‮ ‬تعويم‮ ‬جميع‮ ‬المرتكزات‮ ‬الأخرى‮ ‬للدستور‮ ‬وتمييعها،‮ ‬تماما‮ ‬كما‮ ‬تم‮ ‬تمييع‮ ‬أغلب‮ ‬المؤسسات‮ ‬الدستورية‮ ‬التي‮ ‬تم‮ ‬إنشاؤها‮ ‬خلال‮ ‬العشر‮ ‬سنوات‮ ‬الأخيرة،‮ ‬والتي‮ ‬ظلت‮ ‬مجرد‮ ‬غرف‮ ‬استماع‮ ‬وتسجيل‮ ‬بدون‮ ‬صلاحيات‮ ‬تنفيذية‮.‬
عندما‮ ‬نرى‮ ‬كيف‮ ‬انتظرت‮ ‬العدالة‮ ‬الفرنسية‮ ‬انتهاء‮ ‬فترة‮ ‬حكم‮ ‬الرئيس‮ ‬السابق‮ ‬جاك‮ ‬شيراك‮ ‬لكي‮ ‬تجبره‮ ‬على‮ ‬الوقوف‮ ‬أمامها‮ ‬للإجابة‮ ‬عن‮ ‬تهم‮ ‬تعود‮ ‬إلى‮ ‬عشرين‮ ‬سنة‮ ‬خلت،‮ ‬نفهم‮ ‬المعنى‮ ‬الحقيقي‮ ‬لمبدأ‮ ‬قوة‮ ‬القانون‮.‬
هناك‮ ‬تهمة‮ ‬وهناك‮ ‬متهم‮ ‬وهناك‮ ‬مسطرة‮ ‬قانونية‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تحترم،‮ ‬بغض‮ ‬النظر‮ ‬عن‮ ‬اسم‮ ‬المتهم‮ ‬ووضعه‮ ‬الاعتباري‮ ‬وشعبيته‮ ‬الكاسحة‮. ‬هذه‮ ‬هي‮ ‬الديمقراطية‮ ‬الحقيقية‮ ‬التي‮ ‬تجعل‮ ‬المواطن‮ ‬البسيط‮ ‬مقتنعا‮ ‬بأن‮ ‬هناك‮ ‬حائطا‮ ‬أخيرا‮ ‬يستطيع‮ ‬الاحتماء‮ ‬به‮ ‬عندما‮ ‬تنهار‮ ‬أمامه‮ ‬جميع‮ ‬الحيطان،‮ ‬هو‮ ‬القضاء‮.‬
لذلك‮ ‬لدي‮ ‬إيمان‮ ‬راسخ‮ ‬بأن‮ ‬الحل‮ ‬الوحيد‮ ‬لإعادة‮ ‬الاعتبار‮ ‬إلى‮ ‬السياسة‮ ‬والعمل‮ ‬الحزبي‮ ‬والعملية‮ ‬الانتخابية‮ ‬هو‮ ‬إعادة‮ ‬الاعتبار‮ ‬إلى‮ ‬مبدأي‮ ‬المراقبة‮ ‬والمحاسبة‮.‬
إلى‮ ‬حدود‮ ‬اليوم،‮ ‬فالمبدأ‮ ‬الوحيد‮ ‬الذي‮ ‬تم‮ ‬تفعيله‮ ‬في‮ ‬المغرب‮ ‬هو‮ ‬مبدأ‮ ‬المراقبة،‮ ‬أي‮ «‬شوف‮ ‬وسكت‮». ‬
الصحافة،‮ «‬ديال‮ ‬بصح‮» ‬طبعا،‮ ‬تراقب‮ ‬يوميا‮. ‬مؤسسات‮ ‬المراقبة‮ ‬الدستورية‮ ‬تنجز‮ ‬تقاريرها‮ ‬سنويا‮. ‬مفتشيات‮ ‬الداخلية‮ ‬والمالية‮ ‬تنجز‮ ‬تقاريرها‮ ‬دوريا‮. ‬
المشكلة‮ ‬أن‮ ‬القضاء،‮ ‬الذي‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يتسلم‮ ‬هذه‮ ‬الملفات‮ ‬ويقوم‮ ‬بدوره‮ ‬في‮ ‬المحاسبة،‮ ‬غائب‮ ‬عن‮ ‬الوعي‮. ‬والسبب‮ ‬هو‮ ‬وجود‮ ‬شرذمة‮ ‬من‮ ‬قدماء‮ ‬محاربي‮ ‬الإصلاح‮ ‬داخل‮ ‬قلعة‮ ‬وزارة‮ ‬العدل‮ ‬والمحيط‮ ‬الملكي‮ ‬يعيقون‮ ‬كل‮ ‬خطوة‮ ‬لتفعيل‮ ‬مبدأ‮ ‬المحاسبة،‮ ‬لأن‮ ‬تفعيل‮ ‬هذا‮ ‬المبدأ‮ ‬سيسقط‮ ‬رؤوس‮ ‬بعض‮ ‬أصدقائهم‮ ‬الذين‮ ‬كانوا‮ ‬وراء‮ ‬اقتراحهم‮ ‬على‮ ‬الملك‮ ‬لشغل‮ ‬مناصبهم‮. ‬
أفراد‮ ‬هذه‮ ‬العصابة،‮ ‬في‮ ‬النهاية،‮ ‬يخافون،‮ ‬إذا‮ ‬اندلعت‮ ‬نيران‮ ‬المتابعات،‮ ‬من‮ ‬أن‮ ‬تصل‮ ‬إلى‮ ‬تلابيبهم،‮ ‬ولذلك‮ ‬يفضلون‮ ‬إخمادها‮ ‬في‮ ‬المهد،‮ ‬حتى‮ ‬ولو‮ ‬أتت‮ ‬على‮ ‬ثياب‮ ‬الوطن‮. «‬المهم‮ ‬تفوتهم‮ ‬وتجي‮ ‬فين‮ ‬ما‮ ‬بغات‮».‬
بعد‮ ‬الخطاب‮ ‬الملكي‮ ‬الأخير،‮ ‬لم‮ ‬تعد‮ ‬ممكنة‮ ‬التضحية‮ ‬بمصالح‮ ‬شرذمة‮ ‬من‮ ‬الانتهازيين‮ ‬والمنافقين‮ ‬والمتملقين‮ ‬على‮ ‬حساب‮ ‬مصلحة‮ ‬وطن‮ ‬بأكمله‮. ‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق