الخميس، 18 سبتمبر 2014

قوانين «مثقفة»



لا أحد يعرف لماذا يتغاضى رئيس الحكومة عن فتح ملف مهم وحارق يؤرق بال ملايين المغاربة، وهو ملف التعليم الخصوصي، الذي يفرض أصحابه أسعارهم حسب هواهم ضاربين عرض الحائط بالمبادئ الأساسية للمنافسة والشفافية.
وإذا كنا نعلم أن رئيس الحكومة هو نفسه أحد المستثمرين في قطاع التعليم الخصوصي، فإن وجود عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة، على رأس سلسلة مدارس خاصة توجد أسعارها في القمة، يطرح إشكالية «من سيراقب من»، طالما أن الذين عهد إليهم المشرع سلطة مراقبة المنافسة والشفافية في قطاع التعليم الخصوصي، هم أنفسهم مستثمرون في هذا القطاع المدر للدخل.
نستحضر هذا الكلام بالموازاة مع تقديم التقرير السنوي لمجلس المنافسة من طرف رئيسه عبد العالي بنعمور، وانتقاد هذا الأخير لسلبية الحكومة بشأن الملفات المعروضة على مجلسه. منحت الحكومة «السراح المؤقت» لقانون حرية الأسعار والمنافسة والقانون المنظم لمجلس المنافسة الجديدين، وعجلت بنشرهما في آخر عدد للجريدة الرسمية عدد 6276 الصادرة بتاريخ 24 يوليوز 2014، وذلك تفعيلا منها لمقتضيات الفصل 166 من الدستور، الذي رفع  المجلس إلى هيأة دستورية وتقريرية مستقلة، ضمن سلسلة المؤسسات الثورية التي حملتها إلينا رياح الربيع العربي، واستجابت للمطالب المنادية بالحكامة وبتنظيم منافسة حرة ومشروعة وضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من أجل ضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة واقتصاد الريع وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.
بنعمور صاحب مدارس التدبير «HEM» سدد قذيفة حارقة من منطقة الجزاء تجاه مرمى الحكومة في الدقيقة 90 من نهاية ولايته، بعدما كان يشيد في السابق بتجاوب رئيس الحكومة مع الطموحات «الاستقلالية» لمجلسه، وربما جاء هذا التصريح لتبرير عجزه عن القيام بأي دور يذكر منذ تعيينه على رأس المجلس في 20 غشت من سنة 2008 خلفا لعثمان الدمناتي، حيث يؤكد اليوم أن الواقع الملموس لا يترجم شعارات الإصلاح التي يرفعها الجميع، مضيفا أن النصوص القديمة التي ظل يشتغل بها لم تكن لتسعفه في محاربة الريع غير الشرعي، وبأن النص الجديد سيمكنه من القيام بعمل إيجابي وجريء خلال الخمس سنوات المقبلة، إن شاء الله.
ولعل القرار الجريء الوحيد الذي كان يتعين على السيد بنعمور أن يتخذه خلال الخمس سنوات الضائعة من عمر مجلسه، هو أن يقدم استقالته بدل البقاء في منصب لم ينتج غير التوصيات، والاشتغال بنصوص عاجزة عن تحقيق طموحاته في محاربة اقتصاد الريع غير الشرعي،  وهو يرى التقارير التي أنجزها، على قلتها، تحال على الرفوف من طرف الحكومة، أو يتم التعامل معها بسلبية، رغم أنها همت بعض أهم المجالات الحيوية بالنسبة إلى الشعب المغربي، مثل سوق الكتاب المدرسي، وسوق الزبدة المستوردة، وسوق الأنسولين، ومجال التخزين بالموانئ.
فإذا كنا قد اكتشفنا بفضل المجلس الموقر، أن سوق الأنسولين ظل محتكرا من طرف شركتين لا ثالث لهما، واللتين فرضتا أثمانهما على المستهلك بشكل يزيد ست مرات على الثمن المرجعي، فإننا لم نسمع بالمقابل عن اتخاذ الحكومة أو القضاء لأية تدابير زجرية في حقهما، كما أن هناك شركات أخرى ظلت تهيمن على السوق في قطاعات حيوية أخرى، وتستفيد من الإعفاءات الجمركية التي تمنحها لها الدولة بمناسبة شح تلك المواد بمناسبة ظروف معينة، مثل الجفاف أو شهر رمضان، ورغبة الحكومة في توفير تلك المواد للمواطنين تلافيا لأية مضاعفات اجتماعية. غير أن تلك الإعفاءات لم تنعكس إيجابا على مستوى ثمن المنتوج بالنسبة للمستهلك، وفي نفس الوقت لم تحدث أية مضاعفات اجتماعية، وذلك مثل ما يقع عند إعفاء استيراد القمح الصلب من الرسوم الجمركية خلال فترات الجفاف، أو الزبدة أو الجبن والحليب المجفف أو المبستر خلال شهر رمضان، وهي المواد التي تسيطر عليها شركات بعينها، تتحكم في قنوات الاستيراد المتعلقة بها، وتفرض السعر الذي يحلو لها، وقد تستغل الظرفية من أجل استيراد كميات تفوق حاجتها لتخزينها والمضاربة بها في السوق بقية السنة.
وغالبا ما تكون هذه الشركات رغم كثرتها، مجرد شركات صورية أو مملوكة من طرف شخص واحد، أو مجموعة ضيقة من المضاربين الذين يؤسسونها بغاية تبادل الأدوار في ما بينهم، بحيث يمكن أن تتحول تلك المجموعة في نهاية المطاف إلى «مافيا» بكل ما في الكلمة من معنى، تتحكم في السوق كما تريد، وتعرقل أية منافسة حقيقية أو إصلاح للقطاع، هذا إذا لم تمارس تهريب العملة إلى الخارج بكل سهولة ويسر، ويكفي الاطلاع على السجلات التجارية لتلك الشركات ليتبين أنها تتواجد في عنوان واحد، أو أنها تتوفر على نفس المسيرين، وأحيانا تتوفر على نفس الرقم الهاتفي أو الفاكس.
ولنا أن نعطي مثالا واضحا بسوق الأجبان لتقريب الفكرة من القارئ، فهذه المادة الحيوية تستفيد من إعفاءات جمركية بمناسبة الاستيراد وفق معايير معينة وسقف محدد، يتوزع استيرادها بين عدة شركات عاملة في هذا المجال،  غير أن هذا الاستيراد  يمارس في الواقع تحت يافطة شركات تعود ملكيتها لحفنة قليلة من التجار المسيطرين على السوق، والتي ليست إلا مسميات مختلفة لشخص واحد أو لأسرة أو شلة واحدة، مثل شركة «COPRALIM» التي يشترك فيها عبد الرحيم بنضو، منسق حزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس مجلسه الإقليمي بالدار البيضاء، مع تلمسر عمر وفاضلي لطيفة، والتي رخص لها سنة 2009 مثلا من طرف وزارة التجارة الخارجية باستيراد 561,71 طنا من الأجبان، أما شركة PROLAINAT MAROC» » التي يسيرها نفس الأشخاص، فقد رخص لها باستيراد 10 أطنان، في حين حصلت شركة SOCODIL» » التي يملكها بنضو لوحده، على رخصة استيراد 10,16 أطنان، وشركة «SOFRALIM» التي يسيرها شريكه تلمسر عمر على رخصة استيراد 33,30 طنا، أما شركة «HINNES DISTRIBUTION» التي تسيرها شريكته فاضلي لطيفة، فلم يسعفها الحظ تلك السنة في الحصول على رخصة استيراد أية كمية. وبذلك يكون مجموع ما تم الترخيص باستيراده لجهة واحدة في سوق الأجبان، هو 615,17 طنا من أصل 1000 طن المحددة في إطار اتفاقية الشراكة مع السوق الأوربية، أي ما يناهز 61,57 في المائة من مجموع الحصة المستوردة.
أما نصر الدين الدوبلالي، الرئيس السابق لفريق الوداد الرياضي، فقد رخص له رفقة ابنه ألكسيس محمد فوزي، خلال نفس السنة عن طريق شركتهما « ALIA GROUP INDUSTRY  »، باستيراد 145,42 طنا، وعن طريق شركتهما «STE INDUSTRIELLE ET COMMERCIALE MAROC FOODS  »، باستيراد 10,32 أطنان، في حين ظفرت شركتهما « MILK PRODUCT MOROCCO  » بإذن باستيراد 10,11 أطنان خلال تلك السنة. وبعملية حسابية بسيطة يكون مجموع ما استورده فاعلان فقط من بين 20 شركة مرخص لها، هو  781,02 طنا، وتكون حصتهما من الاستيراد هي 78,10  في المائة.
وإذا كان مجلس المنافسة في صيغته الاستشارية القديمة، قد عجز عن تطبيق القانون في حق هذه الممارسات، كما عجز عن حماية المستهلك من جشع بعض شركات الحليب التي قال عنها إن زيادتها الأخيرة في الأثمان لم تكن مبررة، وإنها تنطوي على احتمال تواطؤ ضد هذا المستهلك المغلوب على أمره، فإن رئيس الحكومة بدوره تصرف كما لو كان مجرد رئيس جمعية لحماية المستهلك، حين لم يجد ما يفعله سوى حض المواطنين من أكوراي على الاستعاضة عن منتوجات تلك الشركات بالرايب البلدي، فيما كان يجدر به وبحكومته أن يخبرانا بما قاما به من أجل معاقبة التعاونية الفلاحية «كوباغ» وشركة «سافيلي» التي يسيرها صندوق الإيداع والتدبير مع أولاد الكتاني، على زيادتهما غير المشروعة في أثمان الحليب.
واليوم، إذا كان السيد بنعمور يعتقد أن النصوص الجديدة ستمكنه من الاشتغال بشكل جيد خلال «مخططه الخماسي» القادم، فإننا ندعوه إلى قراءة متأنية لتلك النصوص، لكي يعرف أن دار لقمان ستبقى على حالها لسنوات أخرى وربما للعشر سنوات القادمة.
إذ يكفيه أن يعود إلى المادة 111 من القانون الجديد، وهي آخر فصل يختتم به القانون، لكي يعرف أن هذا القانون «سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ سريان مفعول النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه الكامل» بمعنى «سير تضيم». وبعبارة أخرى، فإن القانون الجديد سيبقى حبرا على ورق إلى أن يتم إصدار كل النصوص التنظيمية التي لا يعرف عددها، من طرف الحكومة التي ليست مقيدة بأي سقف زمني في إصدارها، وبالتالي فإننا حين نقول إن الحكومة منحت السراح المؤقت لقانون حرية الأسعار والمنافسة، فلأنها احتفظت لنفسها بـ«السوارت» لكي تتكرم بإخراج القانون ليرى النور متى شاءت، أو أن تتركه حبيس الرفوف إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
فإذا لم يفهم السيد عبد العالي بنعمور هذا الفصل الأخير، وهو الفصل الذي يرهن تطبيق قانونه بشكل غامض و«يثقفه» بالمعنى الشعبي للتثقيف، فما عليه سوى أن يطلب استشارة الأمين العام للحكومة، الدكتور إدريس الضحاك، لكي ينوره  بالتاريخ المضبوط المرتقب للاحتفاء بمولوده الجديد، الذي أجهضته المادة 111.
                                                                                                                    نقلا عن www.flashpresse.ma

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق